صحفيو الميدان

عبد الناصر سلامة الخميس 28-04-2016 21:40

قبل عشرة أعوام أو أكثر قليلاً، كان التصوير الصحفى شبه احتكار على عالم الرجال، بل حتى التغطية الميدانية للأحداث كانت كذلك، إلا ما ندر من التحقيقات الصحفية فى المواقع غير الساخنة، وقد تميزت فيها بعض أسماء بعينها، ربما تعد على أصابع اليد، فقد كانت المرأة فى عالم الصحافة كغيرها فى المهن الأخرى، يمكن أن تتحسس السلامة أكثر من أى شىء آخر، نتيجة عوامل عديدة، اجتماعية بالدرجة الأولى.

الآن، يبدو أن الأمر قد اختلف تماماً، أصبحت الفتاة الصحفية تسابق زملاءها من الذكور إلى مواقع الأحداث الساخنة، إن بالتصوير، وإن بالتغطية الصحفية، من خلال مغامرات قد ترى أنها حق أصيل لها بموجب المهنة، أو انطلاقاً من الإيمان بالقضية، ربما تطور الزمن هو الذى ساهم فى ذلك، ربما متطلبات الحياة هى التى فرضته، إلا أننا فى كل الأحوال أمام المرأة العاملة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، هو ليس أى عمل، هو الخطر بعينه.

رأينا مراسلة التليفزيون وهى تحاور المواطنين فى الشارع، وتحمل رضيعها فى الوقت نفسه، رأينا الصحفية الشابة فى العشرينيات من العمر تستشهد برصاص الشرطة، رأينا بعضهن بإصابات بالغة، أخريات معتقلات، فى كل الأحوال تسعى كل منهن إلى الرزق الحلال، تسعى كل منهن إلى أداء عملها بوازع من ضمير، تسعى كل منهن إلى التفوق، تسعى كل منهن إلى إثبات الوجود، أياً كان المسعى، هى تؤدى عملها.

كان من المهم أن يقابل المجتمع ذلك التطور بنفس الروح، بالتشجيع، بالتعاون، بتقديم التسهيلات، وبصفة خاصة من الجهات الرسمية، وفى مقدمتها الأجهزة الأمنية، التى من المفترض أن هذه الصحفية أو تلك المراسلة نزلت إلى الشارع فى حمايتهم، كنت أتصور أن الزميلة الصحفية سوف تطلب حماية الشرطة فى مواجهة البلطجية أو مثيرى الشغب، كنت أتخيل أن عنصراً أمنياً سوف يرافقها فى الدخول إلى المناطق الخطرة، كنت أرى أن من حقها ترتيب ذلك مبكراً مع تلك الأجهزة، هو حق أصيل لها، وواجب أصيل عليهم.

للأسف، حدث العكس، نحو ٣٨ صحفياً وصحفية تم احتجازهم خلال أحداث الإثنين الماضى، بعضهم تعرض للإهانة والضرب، أصبح الصحفيون بصفة عامة عرضة للبطش الأمنى والتنكيل الشرطى فى كل المناسبات الساخنة والباردة على السواء، أصبحنا فى نهاية كل حدث نحصى عدد المعتقلين والمعتقلات من الصحفيين والصحفيات، أصبحت النقابة تنشئ غرفة عمليات لمتابعة الموقف لحظة بلحظة، أرقام ساخنة للإبلاغ عن التجاوزات التى لا مبرر لها، اتصالات على أعلى المستويات للإفراج عنهم، أو حتى لضمان معاملة حسنة.

بالتأكيد، الفتاة منهن لا تحمل أبداً خرطوشا، أو مولوتوفا، أو حتى طوب لقذف الآخرين، بالتأكيد الصحفيون والصحفيات لا يشاركون المتظاهرين الهتافات، قد يكونون غير مقتنعين بالحدث، بالتأكيد هم لا يحملون سوى كاميرا للتصوير، أو جهاز إلكترونى للكتابة، أو حتى ورقة وقلم، أو هاتف للتواصل مع جهة العمل، إلا أن هذه الأدوات، للأسف، هى ما يؤرق ذلك العنصر الأمنى أو ذاك، من الذين يتجاوزون فى أعمالهم بصفة خاصة، هم يرون أن الكاميرا سوف توثق ذلك التجاوز، يرون أنهم قد يكونون على الهواء مباشرة، هنا يتوارى العقل ويحل الغباء.

للأسف، لم يحاول هؤلاء حتى مجرد التفريق بين صحفى وصحفية، بين ذكر وأنثى، مع احترامى الكامل لكل الصحفيات، ليس تقليلاً من قدراتهن، إلا أننى أتحيز لمعاملة خاصة بهن، بصفة خاصة فى مواقع الأحداث، أعلم تماماً أن ظروف الحياة هى التى أجبرت بعضهن على ذلك، لنكن إذن أكثر رحمة بهن، ليس ذنب الصحفى أو الصحفية أنه يؤدى واجبه المهنى تماماً كضابط الشرطة، بل على العكس، نحن هنا أمام رسالة سامية ينتظرها شعب بأكمله، فى حال لم تخرج إلى النور سوف نصبح عرضة للتكهنات والشائعات، سوف نضغط على زِر صغير للمتابعة من خلال قنوات قد تكون مغرضة، سوف نتابع صحفًا قد تعتمد التكهنات أكثر من اعتمادها على أرض الواقع.

أزعم أن هناك الكثير من القضايا التى لم تلتفت إليها الدراسات الشرطية والأمنية بصفة عامة، بخلاف حقوق الإنسان، وهى المتعلقة بحق الآخرين فى أداء عملهم، بل بحق الآخرين فى طلب الحماية لأداء عملهم، هى أزمة إنسانية وأخلاقية تلك الأنباء التى تتواتر بين الحين والآخر عن اعتقال صحفيين وصحفيات، أو أنباء بالإهانة والتجاوزات، التى لم تعد تناسب الزمان ولا المكان، إلا أنها العقول التى لا تسعى أبداً إلى التطور، نحن هنا أبداً لا نستعطفهم ولا نستجديهم، بالعكس، نحن نطالب بتطبيق القانون، نطالب بمواقف نقابية أكثر فاعلية، فقد طفح الكيل.