ربما لا يتذكر الجيل الحالى أن البحرين كانت فى مقدمة المخطط الإيرانى «الفارسى» للقفز على منطقة الساحل الشرقى للجزيرة العربية، رغم أن هذا المخطط لم يمض عليه أكثر من 45 عاماً.. وكان هذا المخطط يستهدف الاقتراب ما أمكن من الشاطئ العربى، ليكون بداية لإحياء الإمبراطورية الفارسية.. القديمة.. ولم يختلف هذا المخطط من أيام الشاه محمد رضا بهلوى عامى 1970 و1971، عن نفس المخطط الفارسى الذى سارت عليه إيران الثورة من أيام الخومينى.. كلاهما كان يحلم بتصدير إحياء فكرة الإمبراطورية الفارسية، سواء تحت راية الشاه بهلوى.. أو تحت رايات الثوار الجدد، القادمين من مقر القوة الفارسية فى مدينة قم.
وكان المخطط يبدأ بمحاولة السيطرة على «البحرين» بدعوى هزيلة هى أنها وقعت - يوماً - تحت الحكم والسيطرة منذ مئات السنين، أى حكمتها طهران.. وبحكم أن فيها نسبة من أبنائها يعتنقون المذهب الشيعى، وزادت هذه المطالب مع إعلان بريطانيا عن قرب انسحابها من منطقة الخليج العربى.. بإماراته ومشيخاته المتعددة.. لكى تقفز على الساحل العربى.. وقاوم شعب البحرين العربى، فى أغلبيته، رغم وجود نسبة من سكانه من أصول إيرانية.. تسيطر على نسبة كبيرة من الاقتصاد البحرينى، بحكم أنها من أهم المراكز التجارية والثقافية هناك.
ومع تزايد المطامع الإيرانية، زادت مقاومة شعب البحرين، وكان من أكثر أبناء الخليج عروبة وثقافة.. وتجارة.. وتعليماً.. وانفتاحاً. ووقفت الشعوب العربية مع شعب البحرين.. ووجدت الأمم المتحدة طريقاً وسطاً.. هو الاستفتاء، أى أن يقرر شعب البحرين مصيره بيده.. فإما يقبل الانضمام إلى إيران.. أو يفضل الاستقلال، وإن كانت البحرين أيامها قد اشتركت فى فكرة إنشاء دولة خليجية عربية واحدة تضم: البحرين.. قطر.. أبوظبى.. دبى، الشارقة، عجمان، أم القيوين، رأس الخيمة.. والفجيرة.. أى اتحاد عربى «تساعى»، وهو الاتحاد الذى نتج عنه قيام دولة الإمارات العربية المتحدة «الآن» من 7 إمارات ومشيخات بدأت بعدد 6 مشيخات، دون إمارة رأس الخيمة، وذلك فى 2 ديسمبر 1971، ثم انضمت إمارة رأس الخيمة إلى هذا الاتحاد فى فبراير 1972 ليصبح اتحاداً سباعياً.
المهم أن شعب البحرين اختار طريق الاستقلال - حتى عن هذا الاتحاد - كحل وسط، حتى لا يثير طهران، ورفض أى انضمام لإيران مهما كانت المغريات والضغوط، بل واللافت للنظر أنه حتى الذين هم من أصول إيرانية رفضوا الانضمام لإيران.. وفضلوا الاستقلال.. وكذلك فعل التجار الكبار الذين هم أيضاً من جذور إيرانية، أو جاءوا البحرين من الشاطئ الشرقى للخليج، أى من إيران، وهكذا تم إعلان استقلال البحرين.. وحافظ شعبها على عروبته وثقافته وأغلبيته السنية المسلمة دون المساس بحقوق الشيعة من أهلها.
وردت إيران - أيام الشاه محمد رضا بهلوى بغزو قواتها لثلاث جزر - أقرب إلى الإمارات العربية، أكبرها هى جزيرة أبوموسى، وكانت تابعة لإمارة الشارقة معقل قبائل القواسم العربية التى حكمت كثيراً من الجزر الأقرب إلى الشاطئ الإيرانى ومنها جزيرة لنجة.. وجزيرة قشم أو جشم بالقرب من بندر عباس، ثم - وفى نفس الليلة - وهى ليلة 30 نوفمبر 1971 استولت إيران بالقوة على جزيرتى طنب الكبرى وطنب الصغرى وهما تابعتان لإمارة رأس الخيمة - وهى أيضاً من معاقل القواسم، ومازالت إيران تحتل الجزر الثلاث.. وكنت أنا شخصياً أول وآخر صحفى مصرى ينزل فوق أرض جزيرة أبوموسى فى يوليو 1972، وكانت إيران تقتسمها - بالقوة المسلحة - مع إمارة الشارقة.. إلى أن وضعت إيران يديها بالكامل على هذه الجزيرة العربية الغنية بمعدن «المغر» أى أكسيد النحاس.
■ وإذا كانت إيران قد وضعت قواتها وأعلامها على الجزر العربية الثلاث التابعة لدولة الإمارات إلا أنها فشلت فى إكمال مخططها باحتلال «البحرين» وضمها إلى إمبراطوريتها.. وهنا نؤكد أن طهران استغلت فترة اليوم الأخير للسلطة البريطانية وقامت باحتلال الجزر العربية الثلاث، عنوة.. وفى فترة الصفر، من إعلان قيام أو إنشاء دولة الإمارات العربية يوم 2 ديسمبر 1971، وارتكبت جريمة هذا الاحتلال يوم 30 نوفمبر 1971، وفشلت - قبلها بفترة قصيرة - فى السيطرة على البحرين، التى تحولت فى عهد حمد بن عيسى من إمارة إلى مملكة.. وكانت قد تحولت فى عهد والده الشيخ عيسى بن حمد آل خليفة من مشيخة إلى إمارة ودولة، وكان الشيخ عيسى - رحمه الله - ثم كذلك نجله ملك البحرين الحالى الملك حمد بن عيسى، من أكبر عشاق مصر.. وطلباً للنكتة المصرية.
■ تداعى كل ذلك أمام بصرى، وأنا أتابع زيارة ملك البحرين لمصر.. فأهلاً ومرحباً..