حقه الاعتراض وحقك حماية الوطن «معادلة ممكنة»

عادل نعمان الأربعاء 27-04-2016 21:18

إذا كانت الديكتاتورية الدينية التى تحتكر الحقيقة باسم الله، وتشارك الله فى حقه، وتستأثر بالدين وأحكامه، هى التى تدفع الشباب إلى الإرهاب والقتل والتكفير باسم الله، ظنا منها أن هذا ابتغاء مرضاته. فإن الديكتاتورية السياسية التى تمارسها أى دولة ضد رعاياها حين تحتكر وحدها الحقيقة المطلقة، وتحارب فى ذلك الرأى الآخر، وتكبت الحريات بحجة أنها الأعلم، وتتهم من يعارضها بالتخوين والعمالة والتواطؤ وتحتكر لنفسها الشرف والنزاهة، فهى أيضا تدفع رعاياها دفعا إلى التمرد والاجتراء عليها ومناهضتها، عندها لايجد هؤلاء وسيلة عند إغلاق أبواب التواصل والحوار، إلا الطريق الذى يسلكه دعاة الديكتاتورية الدينية فهو الأسهل والأقرب، يوغرون صدورهم، ويدفعونهم دفعا إلى الصدام مع الجميع. إن الوسيلة الوحيدة لمنع هذا الوفاق، وإبعاد هذين الخصمين عن زواج المتعة لأجل بينهما، حتى بدون رضا وتوافق، هو فتح أبواب الحرية والتواصل والحوار ليمارس الناس حق التعبير فى الرفض كما يمارسه أنصار الدولة فى القبول، وحقهم فى القول«بلا» كما يقول الآخرون ويتغنون ويرقصون بـ«نعم»، طالما أن المعارض لايحمل السلاح أو يحرض عليه أو يخرج عن القانون.

إن الدولة تخطئ حين تمارس الوصاية على شعبها، لأنها حين تستدعيه ستجده عجوزا لم يبلغ الرشد، وتخطئ إذا ضاق صدرها بمعارضيها، لأنها تدفع الشعب أن يضيق صدره بالجميع، وتخطئ حين تنصرف عنه لعدم اكتمال وعيه لممارسة حريته لأنها تدفعه للانصرف عنها لممارسة المراهقة الفكرية ضدها، وتخطئ إذا حجبت عنه المعرفة والحقيقة لأنه سينصرف عنها لمعرفة المزيف من الحقائق بعيدا عنها من حانات المعرفة ومواخير الثقافة. وتخطئ حين تعايره بأنها أعلم منه بشؤون دنياه فينصرف عنها لمعرفة شؤون آخرته. الديكتاتورية الدينية والديكتاتورية السياسية وجهان لعملة واحدة فاسدة ومزيفة ومزورة، الأول يزور وثيقة يمارس بها حق الله، والآخر يزور وثيقة يمارس بها حق الشعب، وفى النهاية يصلان بالأمة إلى نفس المصير من الفوضى والتخلف والفشل والانهيار..

إن ممارسات الدولة فى قضية تيران وصنافير وإعلانها الدائم عبر وسائل الإعلام وقيادات الدولة مرورا برئيس الوزراء والوزراء والمعنيين بالأمر وتأكيدهم على أن جزيرتى صنافير وتيران سعوديتان، وإغفال رأى الخبراء الرافضين لهذا، هو استباق لقرار وحكم مجلس النواب صاحب الحق الرئيسى فى هذا الأمر، والتأثير على حكمه، ودفعه دفعا لموافقة الحكومة، وهذا مخالف لحرية الدراسة والبحث، وحرية وعدالة اتخاذ القرار. كان هذا من أهم أسباب الرفض فلم يراع هذا القرار مشاعر الناس أو ردود الأفعال فقد جاء القرار مفاجئا وصادما، وهو الذى دفع قوى الشر والفوضى لاستثماره، وكان من الحكمة إحالته إلى مجلس النواب لاتخاذ القرار، على أن يسبقه حوار مجتمعى صادق وأمين يفتح فيه باب الحوار دون تخوين أو تشهير، فإذا سبق هذا الأمر القبض على كل من يعارض هذه الاتفاقية بحجة عدم جرجرة البلاد إلى الفوضى، تكون الدولة قد أعلنت صراحة عن نيتها فى عدم الاتفاق مع المعارضين لها، ورغبتها وقرارها فى تسليم الجزيرتين وتمرير الاتفاق بالأمر والقهر. الدولة من حقها حماية الوطن ليس من المعارضين بل من دعاة الفوضى، الباحثين عن توسيع هوة الخلاف المسموح والمقبول بين النظام ومعارضيه، وهى مسؤولة أيضا عن سماع رأى المعارضين وحمايتهم، إلا أن الدولة بتصرفاتها تزيد الفجوة بينها وبين المعارضة مما يدفع كل الخصوم إلى خندق واحد. منهم من يدخله بإرادته ومنهم يدخله يأسا وإحباطا ومنهم من يدخله ينفس به عما يجيش به صدره من غضب وضيق. هذه هى معادلة أى حكم رشيد وهى مهمة قومية لن يتنازل فيها كل فريق عن حقه. مواطن يؤيد، ومواطن يعارض، ودولة تحميهما من أنفسهما، ومن غيرهما، ومنها إذا ضاقت بالمعارضين منهم.

على الدولة المصرية أن تتعامل مع شعبها فكلاهما قد بلغ سن الرشد، وأن إسقاط الدولة هاجس لابد أن تحذفه من قاموسها، وإن نظام الحكم دون معارضة يفقد بوصلة التوجيه إلى الأصوب والأسلم، وأن استمرار حبس المخالفين للرأى دون سند قانونى وتجديد الحبس الاحتياطى لهم لسنوات ليس ضمانة لاستقرار الوضع والنظام، وأن المعالجة الأمنية ليست وسيلة الحاكم لتوطيد أركان حكمه واستقرار أحوال البلاد والعباد، فهذه أكذوبة دأب رجال الأمن على تصديرها للحكام وتضليلهم بها، حتى يظل الأمن هو الوسيلة الوحيدة للسيطرة على النظام ذاته يوجهه ويهيمن عليه، ويصبح التخلص منه أمرا مستحيلا، هذا تزييف لحقائق التاريخ فلا أمان دون حرية، ولاقرار صائب دون معارضة حقيقية ولاتحصين للأمة والشارع سوى بالعدل والحق، وليس كما يقول بعضهم «قليل من التجاوز لقليل من الوقت» فقد قالها الذين من قبلكم حتى مات من سمعها من سنين عددا ومازال الأحفاد يسمعونها، أما الخارجون عن القانون الداعون للفوضى والداعمون لها، الباحثون عن إغراق الدولة، فهؤلاء لهم القانون هو الأحق بهم وهو السيف الذى يقومهم. هذه تجربة جوهرية لاختبار حسن نوايا الدولة ومعارضيها، وامتحان لابد من اجتيازه، افتحوا للناس أبوابا للتعبير والحوار، ولاتضيقوا عليهم الطريق حتى لايسلكوا الواعر منه، ولاتغلقوا أبواب المعرفة الصادقة حتى يكون القرار صائبا. وعلى المعارضة أن تكون أكثر رشدا وحكمة وألا تتغافل عن نوايا المحيطين بهم، وألا تكون أداة ووسيلة للهدم وليس البناء. وأجيبونا مثلا هل الاتفاقيات والمنح والقروض مع السعودية مرهونة باتفاقية ترسيم الحدود وتسليم الجزيرتين؟ هل هناك علاقة بين منحة الإمارات وزيارة ملك البحرين بهذا الأمر؟ وإذا كان الأمر لايصح أن يكون حديث العامة كما هو حديث الخاصة فكيف نجد حلا لما نحن فيه؟ وكيف تكتمل الحقيقة أمام أصحاب القرار.