من صندوق البريد

نيوتن الثلاثاء 26-04-2016 21:19

عزيزى نيوتن..

سأظل أناشد الشباب ودعاة «الثورة المستمرة» التوقف عن أى أنشطة تؤدى لهدم الدولة. أما الممسكون بالسلطة فقد ‏فقدت الأمل فى أن يتوقفوا عما يؤدى لمثل هذا.. اعتقادى الشخصى أن «الفهلوة» و«الفتاكة» و«الفكاكة» هى الداء الوبيل ‏الذى يصعب على المصريين الخلاص منه، وهو الذى يضعنا فى أسفل سافلين، بأكثر مما يفعل الفكر الدينى ‏الظلامى‎.‎‏. أتوق لليوم الذى يخلى فيه السيسى وكل من معه كراسى السلطة، لكن بالطرق الدستورية القانونية، وليس ‏بهدم مصر فوق رؤوسنا جميعاً‎.‎

أهم نتائج «الربيع العربى» تؤكد أن مشكلة الشعب المصرى وسائر شعوب الشرق الأوسط مازالت قائمة بلا حل. هى ‏مشكلة «اليوم التالى» أو «ماذا بعد؟».. هى خطوة أولى أساسية أن نرفض الوضع القائم، ونكتشف الأهوال التى ستترتب ‏على استمراره، لكن ما لم يكن لدينا تصور واضح لقضية «اليوم التالى» أو «ماذا بعد؟»، فإننا عندها سنكون ذاهبين ‏بأرجلنا إلى نهايتنا المأساوية‎!!‎

أيام 25 يناير 2011 كانت مصر قوية ومستقرة اقتصادياً وأمنياً إلى حد كبير، وكان الوضع يحتمل أن نهب ثائرين ‏على ما يغضبنا من حال بلادنا. الآن وبعد خمس سنوات من الفوضى والفشل فى جميع النواحى مصر تترنح، وتحتاج ‏منا جميعاً أن نشمر عن سواعدنا لتستعيد توازنها. التفكير فى الثورة الآن يقع فى المنطقة ما بين البلاهة والهوس ‏والخيانة‎.‎‏. لا أظننى أتجاوز الموضوعية كثيراً، إذا قلت إنها ليست الانتهازية السياسية، وإنما بداخل كل ناصرجى ‏ويسارجى داعشى رابض، يدفعه للالتحاق بإخوان الإرهاب، فى محاولتهم هدم مصر فى سبيل الاستيلاء عليها‎.‎

رائع ما أتاحته وسائل التواصل الاجتماعى من مشاركة الجميع فى الاهتمام بالشأن العام، والإقدام بجرأة على إبداء الآراء ‏فى كل ما يعرض من مواضيع وإشكاليات. يعد هذا شرخاً وتصدعاً فى جدران الأبوية (البطريركية) المهيمنة على ‏ثقافتنا، والتى تجعل منا جميعاً رعية لراع أوحد وزعيم ملهم. فلا انتخاب الرئيس ولا التمثيل النيابى يعنى تفويضاً لأن ‏يفعل من انتخبناهم ما يحلو لهم، ونحن قعود ننتظر النتائج عند محطة النهاية بعد أربع أو خمس سنوات.‏

المشكلة الراهنة فى هذا ربما تكون مؤقتة، وهى أننا تعودنا أن نقارب الأمور بعواطفنا، التى غالباً ما تكون ملتهبة. لم ‏نتدرب على التفكير العلمى المنهجى. ولم نتعود على البحث فى المراجع المتاحة الآن عما يخفى علينا، أو يخرج عن ‏دائرة تخصصنا. لتكون النتيجة هكذا عواصف ترابية من الآراء العشوائية، التى أقل ما يقال عنها إنها تفتقد إلى النضج ‏والموضوعية.‏

الحل ليس فى مطالبة الناس بالصمت، ولا فى مطالبتهم بالاستماع فقط إلى الزعيم الأوحد طبيب الفلاسفة. الحل هو ‏المراهنة على الزمن، الذى قد يأتى بالنضج لأفكارنا، وبالاعتماد على نور العقل بدلاً من نيران العاطفة.‏

دوام تكرار ظاهرة دخول أعداد كبيرة من الشباب فى صدام مع الشرطة من أجل مشاهدة مباراة لكرة القدم أمر يستلفت ‏الانتباه، ويحتاج لدراسات اجتماعية وسيكولوجية. فالشباب هنا يعرض نفسه لمختلف أنواع الإصابات، مثل الدهس ‏وطلقات الخرطوش والقنابل المسيلة للدموع، علاوة على تعرضه للاعتقال والسجن. كل هذا من أجل حضور مباراة ‏يمكن له مشاهدتها فى التليفزيون وهو فى وضع استرخاء يحقق له متعة المشاهدة‎.‎

هل هى روح التحدى لدى الشباب، التى تجعلهم يهرولون نحو أى مناسبة يتحدون فيها الكبار؟

هل هو خواء حياتهم المقترنة بدماء الشباب المفعمة بالحيوية، فيذهبون لأى مناسبة يفرغون فيها طاقتهم؟

هل هو انقطاع الأمل وانسداد السبل فى وجوههم لإثبات ذواتهم وتحقيق آمالهم، ما يدفعهم إلى صدام من قبيل الانتقام ‏أو حتى الانتحار؟

هل هو بحث الشباب عن انتماء فى ظل حالة التيه وفقدان الهوية الراهنة؟

لا يجب أن نظل نعتمد على قوات الأمن المركزى لملاحقة أبنائنا، وعلينا أن نبحث بالعلم كيف ندير حياتنا ونربى ‏أولادنا، رغم أن فاقد الشىء لا يعطيه!

كمال غبريال