أقترح على الوزيرة سحر نصر أن تطلب فى مجلس الوزراء وضع عداد فى ميدان التحرير، يشبه العداد الذى رأيته فى أكبر ميادين العاصمة البولندية وارسو، قبل شهر من الآن!
أقترح عليها أن تتبنى هذه الفكرة، فى اجتماعات المجلس، وأن تظل تلح عليها، حتى تتحقق، وسوف تكون محسوبة لها، إذا ما تحققت، ثم ستكون لصالح بلد بكامله، ولصالح كل مواطن فيه!
وإذا كان عداد صلاح سالم يُحصى عدد أفراد الشعب، على مدى الـ24 ساعة، ويرصد الزيادة فى السكان، يوماً بيوم وفقط.. فعداد بولندا، الذى أتمنى أن أراه فى أوسع ميادين العاصمة، من نوع آخر تماماً، لأن شيئين محددين يظهران على شاشته الكبيرة هناك دون توقف: الشىء الأول هو إجمالى الديون البولندية، خارجية، أو محلية، والثانى هو نصيب كل بولندى منها بالسنت والدولار.
سألت هناك: ما الحكمة فى مثل هذا العداد؟ وكان الجواب أن كل مواطن يمر من أمامه، سوف يرى على شاشته العريضة، أنه مدين بألف دولار - مثلاً - وأن كل مواطن سواه مدين بالرقم نفسه، فإذا مر بعد شهر، أو بعد عام، واكتشف أن الألف دولار صارت ألفين، فإنه يدرك عندئذ أن المسؤولين عن البلد ليسوا أمناء عليه بما يكفى، وأنه، كمواطن، مطلوب منه أن يتصرف فى أقرب انتخابات، فلا يمنحهم ثقته، وإنما يمنحها لآخرين يكونون أكثر حرصاً على أن تتراجع الديون، بدلاً من أن تزيد، وأن يعتدل حال اقتصاد البلد بالتالى.
القصة فى مجملها مهمة، والعداد البولندى لم يوضع فى مكانه عبثاً، لأن عليه فى موضعه رقابة صارمة على مستويين، أحدهما شعبى يتمثل فى جميع المارة من البولنديين، وثانيهما يمارسه الدستور من خلال مادة فيه تقول إن إجمالى الديون لا يجوز، تحت أى ظرف، أن يتعدى 60٪ من إجمالى الناتج المحلى.. لا يجوز.
نعرف أن الوزيرة نصر تفاوض البنك الدولى على قرض 8 مليارات دولار، ولا مشكلة عندى، ولا عند غيرى فيما أظن، فى أن نقترض من حيث المبدأ، بشرط أن يكون الاقتراض وسيلة لتحقيق شىء للناس على الأرض، لا غاية فى حد ذاته، وأن يكون هناك سقف للديون لا تتخطاه مهما حصل، كما هو الحال فى بولندا وغيرها من الدول التى تدرك مسبقاً أن الديون شر لابد منه، وأنها إذا كان لابد منها فلتكن فى نطاق لا تتجاوزه مهما كان!
إذا تبنت الوزيرة فكرة عداد التحرير، فسوف تبعث برسالة للمواطنين وهى تتبناها، وسوف تكون هذه الرسالة أنها كوزيرة مسؤولة عن ملف التعاون الدولى فى الحكومة، تتطلع بإحدى عينيها إلى مقر البنك فى واشنطن، بينما عينها الأخرى على العداد الذى يعد وراءها ويحصى، ويسجل لكل مواطن، بل لكل مولود، نصيبه المحفوظ فى الديون.. وعندها سوف لا تكون الاستدانة غاية، وستكون وسيلة، وسيكون المصريون رقباء مباشرين على كل دولار تستدينه الحكومة من الخارج، ثم كل جنيه تستدينه فى الداخل!
افعليها يا دكتورة سحر، لأن ديوننا تجاوزت 100٪ من إجمالى ناتجنا المحلى.. والمصريون لا يعرفون!