سألت صديقا متنورا شوية: إلى أين تذهب الدولة بالمعتقلين الجدد؟ معلوماتى أن كل السجون كاملة العدد، فاجأنى بإجابة ساخرة قائلاً: أعتقد يتم إرسالهم إلى شرم الشيخ، الفنادق هناك هى المكان الوحيد الشاغر، رد صديق آخر مفترى شويتين قائلاً: لكن فى هذه الحالة يجب على كل معتقل تسديد مقابل الإقامة كل ليلة، وبهذا لسنا فى حاجة لا إلى السياح الروس، ولا إلى غيرهم، حيث تنشيط السياحة ذاتياً، صديقنا الثالث رِوِش شويتين دخل على الخط قائلاً: كده بتوع حقوق الإنسان يفضّوها سيرة، عندنا سجون خمس نجوم، ويا سلام لو الحكومة طورت الفكرة، ليصبح الدفع بالدولار.
الموضوع جد خطير، كل يوم أخبار اعتقالات، أرى أن الدولة تتعامل مع موضوع المساجين والمعتقلين برفاهية منقطعة النظير، عنابر الإقامة متوفرة، الوجبات الغذائية أيضاً، الحُراس «على قفا من يشيل»، رواتبهم متوفرة، كما أسلحتهم، سجون كبيرة تم إنشاؤها خلال السنوات الخمس الأخيرة فقط، أخرى فى الطريق، ربما لم تشهد مصر خلال تلك السنوات إنشاء هذا العدد من الجامعات، أو المستشفيات، أو حتى دور رعاية الأيتام والمشردين، أو المسنين.
بالمناسبة، ثبت قطعاً أن كل دار أيتام أو مدرسة يتم إنشاؤها يقابلها فى المستقبل إلغاء أحد السجون، إلا أنه عمى البصر والبصيرة فى آن واحد، الأرقام غير الرسمية تتحدث عما يزيد على ٥٠ ألفاً دخلوا السجون خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة فى قضايا تتعلق بالأوضاع السياسية، بخلاف المحبوسين فى قضايا جنائية، العدد يتزايد يوماً بعد يوم، هكذا تبدو الصورة فى غياب الشفافية، التى من خلالها يمكن الوقوف على الأرقام بدقة دون اجتهاد.
فى المدن الجامعية، التى يأوى كل منها عدة مئات، يسددون شهرياً مقابل الإقامة المخفضة، اعتماداً على نسبة دعم من الدولة، يتم العبث أحياناً بنوع الغذاء فى إطار التقشف، أحياناً أخرى برفع رسوم الإقامة، أحياناً ثالثة بتخفيض أعداد المقبولين، إلا أنه بدا واضحاً أن هناك برَكة فى موازنات السجون، هناك فائض بصفة دائمة، لم تشكُ وزارة الداخلية ذات يوم، ولم نسمع طرحاً بهذا الشأن فى أى من برلماناتنا المتعاقبة.
المعتقل أو السجين، أيها السادة، لا يمكن أن يعود إلى الحياة طبيعياً، كما كان فى السابق، مهما كانت ضآلة الفترة التى قضاها بين أربعة جدران، وسط عقول متفاوتة الفكر والتأثير، الصبى ذو الخمسة عشر عاماً سوف يتخرج من السجن أكبر من عمره الطبيعى عشرة أعوام على الأقل، الشاب ذو العشرين عاماً أصبح كادراً فى موقعه، لا يُشَق له غبار، إذا كان السجن للمجرمين إصلاحا وتهذيبا، فهو لغيرهم تربية سياسية ووطنية من نوع رفيع، إلا أنه فى كل الأحوال، لا هذا ولا ذاك أصبح تحت السيطرة من وجوه عديدة، وإلا لما كانت أعداد المسجلين خطرا فى تزايد، كما أعداد السياسيين المترددين على السجون أيضاً.
يبدو أن الإجراء من وجهة النظر الرسمية أصبح سهلاً إلى الحد الذى لا يسبقه أدنى تفكير، احبس، اسجن، اعتقل، عذِّب، كهرب، أحياناً أيضاً تكون التصفية الجسدية هى الحل، الموازنات موجودة، حتى لو كانت على حساب الإيجابيات، أو على حساب بناء المجتمع وتنميته، ليخرج علينا مدير مصلحة السجون، أو زير الداخلية، معلناً الأرقام الحقيقية للمساجين والمعتقلين، وحجم الإنفاق عليهم، حجم الإنفاق على السجون ذاتها، أعداد المحبوسين الذين يحصلون على أحكام بالبراءة بعد قضاء عدة أعوام داخل هذا السجن أو ذاك.
الأهم من ذلك أنه ليس هناك بين وسائل الإعلام من لديها الشجاعة لتفتح أزمة عائلات وأُسر هؤلاء المعتقلين، أو نماذج منها، هذا الشاب الذى كان ينفق على والدته المريضة، وقد توقفت عن تناول الأدوية منذ اعتقاله، أو هذا الرجل الذى أصبح بناته يتسولن فى الشوارع بعد حبسه، أو تلك السيدة التى وافتها المنية بمجرد أن علمت باعتقال زوجها، أو هؤلاء الأطفال الذين يترددون على السجن مرّة كل شهر لزيارة والدهم، وأثر ذلك على تنشئتهم بصفة عامة.
الأمر فى حاجة إلى ترشيد فى الإنفاق، وترشيد فى الظلم، وترشيد فى اتخاذ مثل هذه القرارات، وترشيد فى العنف، وترشيد فى القسوة، وترشيد فى كل ما من شأنه إثارة الضغينة والفرقة فى المجتمع، أملاً فى لم الشمل، خاصة أن مثل هذه السياسات ثبت فشلها من قبل، ليس فى مصر فقط، وإنما فى العالم أجمع، فكان يجب أن يصبح مصطلح «زوار الفجر» من الماضى، بعدما أصبح هؤلاء الزوار القدامى عدماً فى التراب الآن، وأصبحت أسماؤهم مثيرة للاشمئزاز، وهو الأمر الذى كان يجب أن يكون بمثابة عظة إلٰهية ما بعدها من عظات.