أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى تعبير «أهل الشر» على من يريدون وأد مصر داخل حدود الوطن؟ إلا أن السؤال: هل يُصبح من أهل الشر كل من يعارض سياسة الرئيس، أو من يكتب مقالاً يفضح تجاوزات الشرطة أو عسكرة الحياة المدنية، أو من ينتقد تعنت هانى شاكر الذى يبكى الآن بحُرْقة بعد أن سحب منه وزير العدل الحالى الضبطية القضائية التى منحها له وزير العدل السابق، أم لعلها «أبلة فاهيتا» التى انتقدت ممارسات أعضاء مجلس الشعب، الذين صاروا أكبر منافس للبرنامج الإذاعى الهزلى القديم «ساعة لقلبك» ونجومه الخواجة بيجو وأبولمعة ودكتور شديد وشَكَل وفهلاو... وغيرهم؟ سوف تجد المجلس فى كثير من جلساته يحاكى هؤلاء مع فارق بالطبع بين خفة ظل البرنامج وثقل ظل المجلس، ورغم ذلك لم يتحملوا الانتقاد واعتبروه سُبَّة فى جبين الوطن.
هل المجلس بتكوينه الحالى لا يثير الضحك دون الاستعانة بـ«أبلة فاهيتا»؟ الأزمات التى يعيشها الوطن تتغلغل فى مصر، ورغم ذلك فإن الإعلام صار هو ما يرعب النظام، وعودته للانضباط صارت أيضاً هى الهدف الأسمى للنظام.
أغلبنا يدرك ضعف وتردى الخطاب الإعلامى، وتستطيع أن ترى أنه لايزال فى مجمله يصطف خلف الرئيس، حتى من يعترض فهو يُجنب الرئيس دائماً الانتقاد، وتتوجه سهامه بعيداً عن المساحة المقدسة لرأس السلطة، إعلام «ماسبيرو» بالطبع كان ولايزال يلعب فى مساحة التأييد، ولكن بحكم الزمن واتساع الرقعة تفلت أشياء فلا يمكن السيطرة المطلقة، مثلما كان يفعل صفوت الشريف وبعده أنس الفقى، السلطة صارت لا ترضى فى الحقيقة إلا بالمطلق فى الحب والتأييد، وهكذا فى لحظات تمت الإطاحة بعصام الأمير رغم أنه حرص على أن يعمل لهم عجين الفلاحة، ويقدم دائماً كل فروض الطاعة، استعداداً لأن يعمل، ويحيلهما للتحقيق (أقصد المذيعتين عزة الحناوى وهبة عبدالغنى) بسبب كلمات تخرج عن الخط، ولا يمكن حذفها لأنها على الهواء، والتهمة: «ألا مهنية»، وطالما حملت اعتراضاً على رأس السلطة توصف بأنها تحريض، طيب لو مدحتا رأس السلطة، ستصبح فى هذه الحالة «مهنية»، بل هى عنوان المهنية. المسموح به، ومنذ السنوات الأخيرة لعهد مبارك، فقط انتقاد رئيس الوزراء، المعروف لدى الجميع أن الإعلام الرسمى لا يجوز له أن يلعب فى أى مساحة بعيداً عن تلك التى تقع داخل المقرر، هل تتذكرون كيف كان أغلب مذيعى برنامج «البيت بيتك» منذ 2005 يتساءلون: «أين أنت يا نظيف؟»، وكان المشاهد يعتبرها بطولة ما بعدها بطولة، مسموح للبرنامج أيضاً انتقاد كل الوزراء، ماعدا الداخلية والدفاع والإعلام، ويبدو أن المطلوب الآن أن يواصل ماسبيرو استكمال هذا النهج، والأمير كان حريصاً على الكرسى، ولهذا عندما شعر أن النظام غاضب منه، قرر أن يقيل رئيس القناة الثالثة، الذى تقع المذيعتان- اللتان يتم التحقيق معهما- وظيفياً تحت رئاسته، ولكن كما تدين تدان «وكما تُقيل تُقال»، فشرب من نفس الكأس، وخرج من الموقع القيادى منكس الرأس، فلا يستطيع أن يقول مثلاً إنهم أقالوه لأنه يدافع عن الحرية، بل كان على العكس مستعداً للتضحية بكل شىء فى سبيل البقاء، تم تعيين صفاء حجازى بدلاً منه، هى محطة انتقالية سريعة جداً، لن يُسمح لها بالبقاء على الكرسى طويلاً، ليس فقط لأنها تذكرنا بزمن مبارك ولا لحساسية اقترابها من دائرة الرئاسة فى عهد المخلوع بحكم زواجها بزكريا عزمى، الشخصية القوية بل المحورية فى ذلك الزمان.
ستغادر صفاء الموقع فى توقيت أسرع مما نتصور أو كحد أدنى ستحتل هى الكرسى الثانى فى المنظومة الإعلامية بعد أن تُسند وزارة الإعلام إلى شخصية مثل سامى عبدالعزيز، العميد الأسبق لكلية الإعلام، من أجل تحقيق الضبط والربط، خاصة أنه- كما رأينا فى مجلس الشعب- تم تصعيد أسامة هيكل لرئاسة لجنة الإعلام لتضمن للنظام السيطرة التامة، فهو وزير الإعلام الأسبق فى زمن حُكم المجلس العسكرى، الدولة الآن لن تتقبل «أبلة فاهيتا» ولا غيرها، رغم أنها تُدرك جيداً أن آخرها هو أن تنتقد وزيراً أو رئيس وزراء أو أعضاء فى مجلس الشعب الذى صار فى حد ذاته نُكتة، وتابعوا كيف يصفه عدد كبير من أعضائه، ولكن قبل أن يحدث ذلك سيتم تقليم منابع الانتقاد، ولن يتورعوا عن استخدام أسوأ الأسلحة، وهو التخوين الذى يتم إشهاره فى وجه كل من لا ترضى عنه الدولة. مثلاً هل من قابلوا مؤخراً الرئيس الفرنسى هولاند خونة، كان له لقاءان؛ واحد فى الظهر لمن يجيدون الفرنسية «الفرانكوفون»، والثانى فى المساء لمن لا يتحدثون بها، فى الفريق الأول أسماء مثل محمد سلماوى وعلاء الأسوانى وماريان خورى وسراج الدين والمخرج أحمد الحداد، غداء فى فندق، ولا يمكن تصور أن الدولة لا تشرف عليه أمنياً، وبالتالى تعرف جيداً ما الذى جرى، هل كان هولاند مندهشاً لهبوط سقف الحريات فى مصر، وينتظر أن يسمعها من ضيوفه على الغداء، سلماوى أشار قبل يومين فى مقاله على صفحات الأهرام إلى أن كلمته تناولت العلاقات الثقافية المصرية الفرنسية، وأضاف أنه لم يستأذن الآخرين ليذكر بالضبط ما الذى قالوه، ولا أتصور ماريان خورى، المنتجة والمخرجة السينمائية، إلا أن تتحدث عن التبادل الثقافى والسينمائى، والأسوانى مستحيل أن يوجه فى هذه الجلسة سهامه للسلطة السياسية، رغم أنهم وضعوه فى خانة التخوين، وصوَّبوا إليه سهامهم، يجب ألا ننسى أنه كان إحدى علامات ثورة 30 يونيو، وفى اتحاد الكتاب وجَّه للعالم أكثر من رسالة بالإنجليزية والفرنسية لتعريف الأدباء العالميين بأن 30 يونيو ثورة شعب حماها الجيش، لديه الآن ملاحظات على السلطة لا بأس، بل من حقه أن يدعوه الرئيس السيسى مع الأدباء المؤيدين له الذين يلتقيهم، فلا يمكن أن نجد أمامنا فسطاطين وشعبين.
الزمن صار يتجاوز هذا التوصيف، وتلك القسمة الحادة، فلا المؤيد هو الوطنى الشريف، ولا المعارض هو من يريد شق الصف وإغراق البلد فى مستنقع الفوضى. مصر تتسع لكل المصريين.
هل توقظهم رباعية صلاح جاهين الذى احتفلنا قبل أيام بذكراه الثلاثين، أشك، ولكن لا بأس من أن نرددها:
أنا قلبى كان شخشيخة أصبح جرس
جلجلتبه.. صح الخدم والحرس
أنا المهرج قمتوا ليه خفتوا ليه
لا فى إيدى سيف
ولا تحت منى فرس
عجبى.
خارج النص
■ وقف عمرو عبدالجليل فى شباك تذاكر فيلم «فص ملح وداخ» فى سينما جلاكسى بالمنيل، فى محاولة منه لجذب الجمهور، اعتقد أنهم عندما يشاهدونه سوف يسارعون بقطع التذكرة، فلم يقترب أحد، ليصبح عمرو شاهد إثبات على هزيمته السينمائية بعد أن اكتشف بنفسه أن الجمهور فص ملح وزاغ!!
■ بدأت سينما «زاوية» عرض أفلام للمكفوفين، يتيح لهم الشرح الصوتى الاستمتاع بالشريط السينمائى، هذا هو ما فعله القطاع الخاص لذوى الاحتياجات الخاصة، فما الذى قدَّمته الدولة لهم؟
■ عندما يقف رامز جلال أمام الكاميرا مذيعاً فى برنامجه الرمضانى يكسب الملايين، ويحظى بأكبر نسبة مشاهدة، ويحقق أيضاً فى نفس الوقت قسطاً وافراً من اللعنات، وعندما يقف أمام الكاميرا ممثلاً يكتفى فقط بتحقيق اللعنات، الغريب أنه صار مدمناً لسماعها، ولهذا لا يتوقف عن بطولة الأفلام، وآخرها «كُنغر حبنا»!!
■ السياسة عندما تدخل من الباب يقفز الفن من الشباك، هذا هو تفسيرى لاعتذار الفنانة سولاف فواخرجى عن مشاركة جمال سليمان بطولة مسلسل «حرملك الأغا»، جمال يرى أن مستقبل سوريا لن يتحقق إلا باختفاء بشار، بينما ترى سولاف أن سوريا لا تُصبح سوريا إلا بوجود بشار!!
■ بدأت تسجيلات برامج فضائح النجوم الرمضانية، وشعارهم هو «افضح نفسك أكثر تحصل على فلوس أكثر»!!
■ لدينا ثلاثة مهرجانات عربية تدعمها الدولة، وأضافت لها مهرجاناً رابعاً، لا اعتراض لى مسبقاً على الرابع، ولكن لماذا تُقسم وزارة الثقافة أموالها القليلة على أربعة مهرجانات فشلت ثلاثة منها فى تحقيق الهدف العربى؟ عليها أن تراجعها، وتمنح الفرصة لمشرفيها للنقاش، وبعدها تعلن تبنيها مهرجاناً واحداً، قد يكون واحداً من الثلاثة أو الرابع، سياسة «العدد فى الليمون» التى صارت شعار الدولة هى مقتل الثقافة!!
■ نحت الفنان التايوانى صورة رئيسة تايوان الجديدة «تساى أنغ وين» على حبة أُرز، وكتب تحتها «كونى متواضعة متواضعة بل أكثر تواضعاً»، وما أعظمها من حكمة!!