أكتب هذا المقال قبل ساعات من حلول ذكرى تحرير سيناء، وقد آلمنى أن تقوم القوات المسلحة بتأمين المنشآت الحيوية فى مصر استعداداً لهذه المناسبة.. فالقوات المسلحة لا تؤمن المنشآت من احتمال وقوع اعتداءات من العدو على منشآت مصر ولكن الاستعدادات ضد اعتداءات محتملة من أبناء مصر.. هذا الاحتمال وتلك الاستعدادات ليست بجديدة، بل صارت روتيناً يتكرر عدة مرات فى السنة ومع العديد من المناسبات القومية.. وهو شىء مستغرب يدفعنا لتساؤل: «ماذا حدث للمصريين؟» ما الأسباب التى تدفع بعض أبناء الوطن، مهما كانت أوجه اعتراضه، أن يفكر حتى فى التعدى على منشأة عامة أو خاصة؟ هل هى فورة الشباب؟ ربما تتسبب مثل هذه الفورة فى حدوث حالات اعتراض متناثرة أو مستمرة على تصرفات الكبار، فيعبرون عنها بوسائل متعددة، ولكن لا يمكن أن تشمل هذه الوسائل التخريب أو التعدى.
تذكرت كلمات يوسف إدريس عن الشباب، حيث وصف جيلاً من الشباب هم بالتأكيد ليسوا شباب اليوم لأنه رحل عن عالمنا منذ أكثر من ربع قرن، فأصبح من كان فى حياة الأديب الكبير شاباً فى العشرينيات، أصبح مشرفاً على الخمسينيات أو تخطاها بقليل.. وكان هذا الشباب أيضاً معترضاً ومتمرداً ولكنه وصفه وصفاً إيجابياً فقال: «شباب اليوم له مزايا كثيرة أكثر من شبابنا، منها الصدق مع النفس وعدم الخجل.. والجيل الحالى حريص على تفرده، وفيه من الشعر والطفولة والجموح الشىء الكثير».. ولم يتوقف إدريس عند مدح جيل الشباب فى زمنه (واقعياً كان يصف جيلى) فقال إن من عيوب هذا الجيل «الغرور، وهو الدرجة الأولى إلى الجهل.. كما أن طموح شباب اليوم يحيرنى.. طموحه أن يعيش فقط لا يفكر فى المستقبل البعيد أو البناء.. شباب اليوم حرمانهم أقل وبالتالى فإن استغراقهم فى الحياة اليومية أكثر».
يقترب وصف أديب الشباب لشباب أيامه من وصف كبار اليوم لشباب اليوم إيجابا وسلبا، وهذا يعنى أن رأى الكبار فى الأقل عمراً لا يختلف كثيراً على مدى العقود، فالشباب بطبيعته مندفع، وطموحه لا يتعدى التفكير فى اللحظة الحالية، وحديثه عن المستقبل لا يرتبط بصبر على البناء حتى يؤتى ثماره، ولأن الحياة لم تحرمهم مما حرمت الأجيال السابقة لهم فهم تواقون للحصول على المزيد فى حياتهم اليومية.. وهم يسعون للحصول على كل ما يرغبون فيه على الفور وفى التو واللحظة.. فهل هذه هى مشكلة الشباب فقط؟ لا أعتقد.
اليوم أرى أبناء جيلى وحتى الأكبر سناً منى، ممن لم تنطبق مقولة إدريس عليهم فى وقتها، يؤلبون الشباب فيتصدرون هم المشهد الذى تؤمّن القوات المسلحة المنشآت من أجله.. شاب شعرهم وتجعدت وجوههم ويصرون على التمسح فى الشباب لعل شبابهم يعود مرة أخرى.. وقد قال يوسف إدريس عن الشباب إنهم يتمتعون «بالصدق مع النفس» و«عدم الخجل»، ولكن هؤلاء الكبار (سناً فقط) لا يتمتعون «بالصدق مع النفس»، ولكن لديهم قدرا كبيرا من «عدم الخجل».. وفى حالتهم يتحول الأمر من ميزة إلى عيب كبير.
الخلاصة.. عندما تقرأ هذا المقال سيكون ما حدث قد حدث يوم 25 إبريل، فخرج من خرج، وتظاهر من تظاهر، واعتدى من اعتدى، وتعامل الجيش أو لم يتعامل.. لا فارق هنا.. إذن مقالى ليس للنصح ولكنه للربط بين أحلامنا عندما كنا فى عمر هؤلاء الشباب وأحلام شباب اليوم، ووسائلنا ووسائلهم، والأهم من ذلك كله صدقنا مع أنفسنا وصدقهم.. كنا غاضبين وهم غاضبون، كنا حالمين وهم حالمون بمستقبل أفضل لجيل كل منا.. فهل فهمنا؟