الوزيرة سحر نصر غاضبة لأنى أقف ضد السياسة التى تروج لها بيننا، للحصول على 8 مليارات دولار، قرضاً من البنك الدولى.. والحقيقة أنى لم أكتب لأتعمد إغضابها، فأنا من بين المعجبين بأدائها النشط بوجه عام، ولا أزال أرى أن ما تذهب إليه مع البنك الدولى تحديداً، خطأ، وخطر.. بل إنه شديد الخطر على مستقبلنا كبلد.. وعندى مبرراتى التى ذكرتها، وسوف أذكرها.. والأمر بالطبع ليس قرار الوزيرة، ولكنه قرار دولة فى أعلى مستوياتها بكل أسف!!.. دولة قررت أن تستدين وتضيف أعباء على كل طفل يولد، بدلاً من توظيف إمكاناتها الذاتية!
الوزيرة قالت، من قبل، إن القرض بلا شروط، ولابد أنها تعرف، أنه لا يوجد قرض بلا شروط، حتى ولو كان من ابن عمك، فما بالك لو كان من البنك الدولى، الذى هو بالقطع ليس مؤسسة خيرية لمساعدة التعساء أمثالنا!
ولأنه ليس مؤسسة خيرية، ولن يكون، فقد قال فيه مهاتير محمد ما يلى نصاً: من المفيد أن نعرف أن البنك جمع فى عام 1995، من الدول المدينة 7.2 مليار دولار، وهو مبلغ أزيد مما أعطاه البنك لها، وكان ربحه الصافى 1.5 مليار دولار من دم الدول الفقيرة!
قالها مهاتير وهو يخطب أمام الأمم المتحدة يوم 27 سبتمبر 1996!.. فما رأى الوزيرة؟!
وهى ترى أن الثمانية مليارات دولار سوف يجرى توظيفها فى مشروعات تنمية، وأنا أصدقها طبعاً، غير أن مسألة كهذه ليست واضحة أبداً أمام المصريين، الذين سيسددون القرض من جيوبهم شخصياً، فيما بعد، واحداً، واحداً.. وكل ما قيل لهم، عن وجوه إنفاق القرض، أن جزءاً منه سوف يعالج العجز فى الموازنة العامة للدولة، ولابد أنها مأساة أن تذهب دولة فى مثل حالنا، لتقترض، لإصلاح عجز الموازنة الذى بلغ 242 مليار جنيه فى موازنة 2015/2016، وحدها.. ثم يتضاعف حجم المأساة حين تنفق الدولة نفسها 700 مليار جنيه من أصل 864 ملياراً، هى إجمالى هذه الموازنة، على الأجور، والدعم، وسداد فوائد الديون.. مأساة مضروبة فى اثنين!
والوزيرة ترى أنه نجاح لنا، أن يعطينا البنك مبلغاً كهذا، رغم ظروفنا الاقتصادية الصعبة، وأن البنك لا يعطى إلا الاقتصادات الواعدة، وأنه لا يقرض إلا الذين سوف يستطيعون توظيف قروضه جيداً، ثم سدادها بعد ذلك.
والحقيقة أن هذا فى ظنى غير صحيح، وأتمنى أن أكون على خطأ، لأنى أتابع نشاط الوزيرة، وأمام عينى عبارة مهاتير، وعبارات أخرى غيرها فى الاتجاه نفسه، وكلها تحذر من الاقتراض منه، إلا لضرورة قصوى، وإلا إذا كنا سوف نموت فى اليوم التالى إذا لم نمد أيدينا إليه، وإلا إذا كنا سوف ننفق كل دولار نقترضه على مشروعات إنتاجية، وإلا إذا لم تكن عندنا بدائلنا.. وأعتقد أن بدائلنا كثيرة، كما أعتقد أن الرئيس السيسى مدعو لأن يتصرف وفق ما قال به قبل أن يصبح رئيساً، عندما قال إنه لن يقبل اعتماد اقتصاد البلد على القروض، والمنح، والمساعدات، لا أن ينتهج، الآن، سياسة معاكسة تماماً لما كان قد قال به، وعلناً!
يقينى، أن رقبتنا، كدولة، إذا كانت محاطة بقيدين، مثلاً، فإن البنك الدولى يريد أن يجعلهما ثلاثة قيود، وإذا استطاع، فلن يتردد فى أن يجعلها عشرة ليخنقنا بها ذات يوم.. أو يوماً بعد يوم!