زوار الفجر

سعيد السني الإثنين 25-04-2016 21:23

«ظاهرة زوارالفجر» التي عانينا منها ببشاعة طوال عصور حُكم عبدالناصر، والسادات، ومبارك، وإن كان الأخير بدرجة أقل..عادت تُطِل برأسها من جديد بعد أن دارت أوهام الثورة برؤوسنا، وظننا أنها ذهبت بلا رجعة.. عاد هؤلاء «الزوار» المرعبون، ومعهم الخوف والفزع يضرب نفوس الأطفال والنساء والشيوخ من الأسر والعائلات المقيمة بالمنازل المستهدفة.. فقد تواترت الأنباء مؤخراً عن ملاحقة عشرات الشباب والنشطاء واعتقالهم، من مقاهي بوسط العاصمة وضواحيها، أو بمداهمة منازلهم أو ذويهم «فجراً»، بالقاهرة والمحافظات، تحسباً وإجهاضاً لتظاهرات الإثنين (25 إبريل) على خلفية قضية سعودة جزيرتي صنافير وتيران.. بما قد يُضفي مزيدا من التعقيدات لملف الترسيم، وتوابعه من فتنة سياسية متصاعدة، سواء كانت الجُزر سعودية أم مصرية.

هذه الحملة الأمنية جاءت متزامنة مع صدور بيان رئاسي يوم الخميس الماضي ينفي مطلقاً أن يكون الرئيس عبدالفتاح السيسي قداجتمع بـ «قيادات أمنية»، للعمل على منع خروج أي تظاهرات يوم 25 إبريل.. ولا شك أن تصدى الرئاسة بالتوضيح ونفي ماقد يثار من أخبار مغلوطة أو شائعات، هو أمر جيد ومستحق للتقدير والاحترام، لاسيما أن البيان يبعث برسالة إيجابية «ضمنية»، بأن الرئاسة لا تقف ضد الشباب أو المواطنين وحقهم في التعبير السلمي عن آرائهم، وإذا كانت الرئاسة قد تراجعت عن هذه الرسالة الإيجابية، فيما بدا بخطبة الرئيس مساء الأحد بمناسبة عيد تحرير سيناء.. فإن هذه «التحركات الأمنية» تزيد نار الفتنة اشتعالاً، وتصنع براكيناً من الغضب النفوس، تحيناً للحظة انفجار غير معلومة، ولا مأمونة العواقب، وتعني تغييباً للحلول السياسية التي من شأنها تفكيك الأزمات وحلحلتها، مقابل إعلاء «الحلول الأمنية» التي أثبتت التجارب فشلها، كونها تخاصم روح العصر، ومحفوفة بالمخاطر الآجلة حتى ولو نجحت آنياً، إذ إنها تُراكم وتُشابك الأزمات.

يقولون إن «الذاكرة هي أحسن خادم للعقل»، ويخبرنا عالم الفيزياء الألماني ألبرت أينشتاين بأنه «من الجنون تكرار نفس التجربة وانتظار نتائج مختلفة»، ومن هنا علينا الاستفادة بدروس وتجارب الماضي، خاصة إذا كان قريباً.. فقد اهتز نظام «السادات» بعنف يومي 17 و18 يناير عام 1977، بخروج مظاهرات ضخمة، معروفة بـ«انتفاضة الخبز» رفضاً لقراراته بزيادة أسعار بعض السلع تخفيضاً للدعم.. انفجرت الجماهير غضباً بفعل تراكمات سابقة، واحتوى السادات الأزمة بإلغاء قراراته، بمساعدة الجيش في إعادة الهدوء.. لكنه لم يستوعب الدرس.. وبدلا من إتاحة مساحة أوسع للتعبير، فإنه تراجع عما كان قد بدأه من تجربة حزبية، واختار أن يكتب نهاية نظامه بيديه لجوءاً للحلول الأمنية، بقرارات 3 سبتمبر 1981 الشهيرة، ومنها اعتقال أكثر من ألف شخصية من الساسة ونجوم الفكر والصحافة، بينهم الراحلون محمد حسنين هيكل وإبراهيم شكري، رئيس حزب العمل الاشتراكي، وفتحي رضوان وزير الثقافة الأسبق، ولم يتورع «السادات» عن عزل البابا شنودة وتحديد إقامته بدير الأنبا بيشوي بوادي النطرون.. واغتنم «هيكل» الفرصة، وأنتج خلال فترة الاعتقال كتابه الأشهر «خريف الغضب»، الذي لم يخلو من تحامل على السادات، لكنه جاء تحليلاً عميقاً شاملاً، لعصر «السادات»، وكيفية وصوله إلى لحظة الانفجار، باغتيال السادات نفسه ظهر يوم 6 أكتوبر من نفس العام.. ثم جاء مبارك مفتتحاً عهده بالإفراج عن المعتقلين، وزيادة مساحة التعبير المتاحة نسبياً، بما أسهم في استطالة عصره إلى 30 سنة كاملة.. لكن سقوطه ونظامه كان ثمناً متوقعاً لتغول الجهاز الشرطي.. وقد كان الانهيار الشرطي يوم جمعة الغضب ( 28 يناير 2011) فوق الخيال، إذ بدا الجهاز الشرطي يومها، كما لو كان تمثالاً من الشمع راح يتلاشي تحت أشعة شمس حارقة.

نتمنى على الله أن يكون يوم أمس قدر مضى دون مشكلات، وأن يتم إعلاء شأن السياسة بعيداً عن الأمن، منعاً لتكرار النتائج المؤلمة، وليت الرئيس السيسي يتذكر وعده بألا تعود ظاهرة زوار الفجر.

نسأل الله السلامة لمصر.

Saidalsonny2@gmail.com