استبدلنا القطة بكلب

جمال الجمل الأحد 24-04-2016 22:46

(1)

أبحث عن شخص ما/ يغني لي

يخبرني أن كل شيء سيكون على ما يرام/ أو أنه جيد بالفعل

و/ جيد أيضا أني هنا الآن/ يرسم لي لوحة أحبها / يرسمني لوحةً/ فأحبني

يجلس بجواري وأنا أنظر إلى كل هذا الخراب/ ثم يقول:

«رائع العالم».. «جميلة كل هذه الفانتازيا الزائلة»

يخبرني أني بخير/ وبداخلي خير..

وهناك/ تحت اللعنات المرصوصة فوق الجميع/ أيضا خير

وحين أبصق عليه وأنعته بابن الأبالسة الكذابين

يعرف أني لا أعني هذا/ وأني أصدق أن هناك خيراً ما

وأن كل شيء/ ربما يصير على ما يرام

وكل هذا الألم/ سينبت منه عما قليل/ ورد كثير

(2)

مروة أبوضيف هي شاعرة الهزائم النبيلة، تقول إنها تكتب عن الخيبات، لكنني أراها تدخل خرائب العالم لتجمع شظايا النفوس المحبطة، وبقايا الأحلام المحطمة، لتصنع منها أقواس نصر، للجمال، وللمحبة، وللتسامح، وتصب تمثالاً من نور لطبيبة هجرة الطب، واحترفت تشريح الهزيمة، ومواضع الألم، من أجل علم جديد يعالج سرطان الروح، وهشاشة الإنسانية، وكسور النفوس والقلوب.

(3)

لم يكن في بالي أن أكتب عن مروة، حتى زارتني قصيدتها، وأنا في أسوأ حال، محاصر «تحت اللعنات المرصوصة»، وأعاند في الاعتراف بالإحباط، فمن يستمد نوره من الأمل، ليس إلا نهاراً لا يشع من ذاته، لذلك يخسر كل شيء لو تخلى عن شمسه، كانت هذه الفكرة كافية لأن أضغط على الكيبورد شاهرا لغة الكبرياء والأمل في تعليق قصير: لقد (وجدتُ) هذا الشخص فعلا يا مروة ... أقصد (اخترعته)

شخص ما / يغني لي / يخبرني أن كل شيء سيكون على ما يرام..

(4)

مفتون أنا بالحالة الشعرية التي تعيشها مصر في سنوات ما بعد ثورة يناير، برغم الدماء التي سالت على الأرصفة، والحناجر التي سجقتها الهراوات الغليظة، والنبل الذي لوثته أوساخ الخداع والخسة والتآمر، لكن جيلاً ثوريا في مجالات كثير، يحفر مجرى للحضارة وللجمال بعيدا عن مزاريب القبح، ومداخن التلوث، وغباء الأحذية الغليظة التي تدوس سنابل القمح والزهور ولحم الوطن بتلذذ سادي مريض.

(5)

أعوام كثيرة مرت / ولم يتغير شيء

استبدلنا القطة بكلب / الحزن بالمرارة / الحنين بالغياب

مازال الأصدقاء يتألقون على شاشات إلكترونية

مازلت أفضل التعبير عن مكنون قلبي عبر رسالة بلغات مختلفة

مازال لساني يتلعثم إذا واجهني أحد بنفس السؤال مرتين

حتي أمي مازالت توبخني / بل قسي قلبها حتي صارت تقاطعني بالشهور

أعوام كثيرة مضت / أجرها خلفي كأذيال الخيبة الثقيلة

خمسة قبور مفتوحة / خمسة فوهات تطلق نيرانها في قلبي

تعلمت تفادي الطلقات / والمشي في الجنازات

و صار لي جلدا أكثر سمكاً / يصلح لسلحفاة عجوز

أعد هزائمي بكبرياء محسوب / وأكذب بأناقة تليق بامرأة تخطت الثلاثين

أعوام كثيرة مضت..

وأنا أنقض غَزْلي / بدأبٍ جدير بالتأمل

(6)

هكذا كتبت مروة عني، وعنها، وعنكم، وعن الأحلام، والثورة، والبلاد، وهذه الكتابة تهز قلبي من الخوف، بقدر ما تهزه من النشوة، لأنني برغم «اللعنات المرصوصة»، وبرغم «كل هذا الألم» مازلت أحلم، ومازلت «أبحث عن شخص ما.. يغني لي» و«أصدق أن كل شيء/ ربما يصير على ما يرام/ وكل هذا الألم/ سينبت منه عما قليل/ ورد كثير».

tamahi@hotmail.com