تأملات عاشق للعمارة عن ذلك «الكوكب الذى يدور فى مداره الخاص»

سمير فريد الأحد 24-04-2016 21:12

لست من نقاد فن العمارة، وهم قلة بين نقاد الفنون فى كل اللغات، ولكن هذه تأملات عاشق للعمارة عن إبداع المعمارية البريطانية عراقية الأصل زها حديد (١٩٥٠ ــ ٢٠١٦) التى وصفها أستاذها، رم كولهاس، عند تخرجها فى كلية لندن عام ١٩٧٧ وهى فى السابعة والعشرين بأنها «كوكب يدور فى مداره الخاص». كان جسد زها حديد أو عمارتها الطبيعية فى نفس ضخامة وفخامة أعمالها، كما لو أنها تمثال كبير من تماثيل آلهة الأشوريين أو المصريين أو اليونانيين القدماء. وملامحها فى صورها تبدو صارمة مثل أعمالها أيضاً، ولكن الصور التى تبتسم فيها أو تضحك تشى بالكثير من الرقة والحياء والتواضع.

قالت جين دانكين، عميدة كلية العمارة فى لندن، التى تخرجت فيها زها حديد فى حفل تسلمها ميدالية الكلية الذهبية عام ٢٠١٥، والتى صادقت عليها الملكة إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا: «إنها قوة رائعة ومؤثرة فى عالم الهندسة المعمارية، وتتمتع بخبرة كبيرة، وبالدقة والصرامة فى عملها، من تصميم البنايات إلى تصميم الأثاث والأحذية والسيارات، وهى مرغوبة ومبجلة من الشركات والأشخاص فى كل العالم»، ومن المؤسف حقاً عدم تصوير برنامج تليفزيونى واحد عن زها حديد من إنتاج أى شبكة عربية!.

وعلى صعيد الصحافة العربية، لم ينشر معها سوى حوارين فى «الشرق الأوسط» التى تصدر باللغة العربية فى لندن، وذلك مع ناقدة العمارة المتميزة جميلة حلفيشى، وفى أحد الحوارين قالت زها حديد لأول مرة إنها عانت الكثير من كونها امرأة ومن كونها عربية، والمعروف أنها كانت أول امرأة تتبوأ قمة العمارة فى العالم التى يحتكرها الرجال فقط.

السائد أن المعماريين نوعان: من يسعى إلى الأنفع، ومن يسعى إلى الأجمل، ولا يعنى هذا بالطبع أن الجميل ليس نافعاً، ولا أن النافع ليس جميلاً، والحق أن الأجمل هو الأنفع، لأن الجمال ذاته أكبر النفع، وهذا ما حققته زها حديد فى تصميماتها التى نفذتها، والتى لا تزال تحت الإنشاء، أو لم يبدأ تنفيذها حتى الآن، ولهذا فأكثر هذه التصميمات لمتاحف ومكتبات ومعارض، وأقلها لبنايات سكنية أو إدارية. كان أول تصميم لفت الأنظار إلى زها حديد تصميم محطة إطفاء شركة فيترا للأثاث المكتبى فى ألمانيا عام ١٩٩٣، ولكن جنود الإطفاء انزعجوا من عدم سهولة الحركة داخل المحطة، فحولتها الشركة إلى معرض للأثاث. إنها معمارية لها رؤية فلسفية شاملة للحياة والوجود تبحر فى التاريخ وتستشرف المستقبل. وانظر إليها تقول: «أريد أن أبدأ وأنتهى فى وقت واحد.. البداية والنهاية معاً. أبدأ بالنهاية وكأنها البداية.. نهاية العمل من حيث انبثقت فكرته فى البداية».. وغدا نواصل الحديث.


samirmfarid@hotmail.com