المؤامرة

عبد الناصر سلامة الأحد 24-04-2016 21:13

أرى المؤامرة على مصر من منظور مختلف عن ذلك الذى يدعيه البعض، بصفة خاصة فى هذه المرحلة الشائكة من كل الوجوه، البعض يردد أن الغرب يتآمر علينا، فى الوقت الذى تسير فيه العلاقات التجارية والاقتصادية، وعلاقات المعونات، بل تصدير السلاح، إلى حدودها القصوى، دون أى معوقات أو عقوبات من أى نوع، البعض الآخر يرى أن الولايات المتحدة تتآمر علينا، فى الوقت الذى لم تتوقف فيه معوناتهم، ولا قطع غيار أسلحتهم، ولا زياراتهم، الأهم من ذلك أن الولايات المتحدة تستطيع ممارسة ضغوطها على دول الخليج للحد من دعم مصر، بالأمر المباشر والعلنى إن أرادت.

تجربة الكبار أيها السادة مع العراق وليبيا وسوريا، وقبل ذلك الاتحاد السوفيتى السابق، ودول الكتلة الشرقية عموماً، ثم الحرب فى يوغوسلافيا السابقة، وأفغانستان، وإدارة الأزمة مع إيران، وقبل هذا وذاك زراعة دولة إسرائيل بالمنطقة، بالتوازى مع زراعة بعض الأنظمة، أو العائلات الحاكمة العربية، وقبل مائة عام مضت تقسيمات سايكس بيكو، التى يتم تطويرها حالياً، كل ذلك وغيره يؤكد أننا نعيش فى منطقة مفعول بها طوال الوقت، لا يجب أبداً أن نكابر ونعتقد للحظة ما، أننا أو غيرنا خارج رقعة الشطرنج، أو نستطيع أن نكون خارجها، يكفى أننا نستورد من الخارج خمسة أضعاف ما نقوم بتصديره.

سوف يكشف التاريخ عاجلاً أم آجلاً، أسباب امتناع الرئيس مبارك عن زيارة الولايات المتحدة على مدى ستة أعوام فى نهاية فترة حكمه، وسوف يكشف التاريخ عاجلاً أم آجلاً لماذا كانت المؤامرة على الرئيس العراقى الراحل صدام حسين، وسوف يكشف التاريخ عاجلاً أم آجلاً سر الإطاحة بالعقيد الليبى معمر القذافى، ببساطة لم يُفرط أى من هؤلاء فى سيادة بلاده، لا بيعاً للأرض، ولا اعتداءً على العرض، لا بقواعد عسكرية، ولا بعقود ملكية، ولا قيمة إيجارية، والتفاصيل فى ذلك كثيرة، والأسرار أكثر، ولم يبق على قيد الحياة من ثلاثتهم سوى الرئيس مبارك، الذى لا يريد له البعض أن يتحدث.

المؤامرة الحقيقية على أى وطن أيها السادة تدار فى كل الأحوال بفعل أبناء الوطن أنفسهم، لا يمكن بأى حال لأى مؤامرة خارجية أن تحقق أهدافها إلا من خلال دعم داخلى، بل تنفيذ داخلى. فى ٢٥ يناير ٢٠١١ كان إحراق أقسام الشرطة وتدمير الممتلكات جزءاً من مؤامرة، فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ كانت بعض الممارسات أيضاً جزءاً من مؤامرة، الآن فى إبريل ٢٠١٦ أرى أن حملة الاعتقالات فى صفوف الشباب هى جزء من مؤامرة تستهدف توريط النظام حقوقياً، مع الداخل والخارج فى آن واحد، الصدام مع جماهير الأولتراس وغيرها كذلك، الصدام مع المتظاهرين كذلك، التعذيب فى السجون والمعتقلات كذلك، ممارسات أمناء الشرطة وغيرهم من الضباط لا يمكن إعفاؤها، ممارسات بعض الفضائيات أيضاً.

التعامل مع هذه الآفة أو تلك الكارثة، أرى أنه أبسط بكثير من تكلفة مقاومتها، احترام حقوق الإنسان هو العامل الأهم فى هذه المنظومة، احترام إرادة المواطنين، حريتهم فى التعبير عن الرأى، احترام آدميتهم، الرجوع إلى المواطن فى كل كبيرة وصغيرة، لا يجوز بأى حال من الأحوال بيع أرض أو التنازل عنها، دون الرجوع إلى المواطنين، لا يمكن بأى حال من الأحوال القبول بوجود عشرات الآلاف فى السجون، أياً كانت المزاعم، لا يمكن بأى حال من الأحوال تحدى إرادة المواطنين بالتعامل مع قضاياهم المصيرية فى سرّية، أياً كان حجم الإغراءات الخارجية، أو الضغوط الاقتصادية.

الحقيقة المؤكدة، التى يجب أن نعترف بها، هى أننا نحن الذين نتآمر على أنفسنا، هذه هى الحقيقة، نتآمر على أنفسنا بالظلم والقهر، نتآمر على أنفسنا بالفشل الاقتصادى والسياسى، نتآمر على أنفسنا بعدم الإنصات للرأى الآخر، بعدم الاعتماد على مستشارين على مستوى المرحلة، بإقصاء أهل الخبرة لحساب أهل الثقة، بانتشار الفساد فى كل المجالات، والمحسوبية فى جميع المواقع. من الطبيعى، ومن اليسير أن تُستغل هذه الأوضاع خارجياً، البعض ممن لهم أهداف معلنة أو غير معلنة، تحت شعارات مختلفة، تتمحور جميعها فى النهاية، حول حقوق الإنسان، وحقوق الحيوان.. لماذا لا نحترم الإنسان دون حاجة إلى ضغط داخلى.. لماذا لا نعطف على الحيوان دون حاجة إلى إملاءات خارجية.. لماذا لا نحترم شعوبنا بوازع ذاتى، انطلاقاً من أن ذلك هو أبسط حقوقهم.. لماذا لا نبذل الجهد فى سبيل تكوين جبهة داخلية قوية ومتماسكة، تقطع الطريق على متآمرى الداخل والخارج فى آن واحد إن وُجِدوا.

مازلت على يقين، أن المؤامرة على مصر، تكمن فى ممارسات الإدارة، قد يكون سوء تخطيط.