سمّها حزبياً كما شئت، «احتفالية»، «حشد»، «مظاهرة»، فى النهاية فكرة حزبية «غبية»، من الغباء السياسى أن يحشد حزب «مستقبل وطن» عشرة آلاف من شبابه قبالة «قصر عابدين» لدعم الرئيس تحت لافتة الاحتفال بعيد تحرير سيناء، الليلة عيد.
متى احتفل المصريون بعيد تحرير سيناء قبالة القصور، من يحب سيناء يشارك أهلها الاحتفال هناك فى الصحراء، على أرض الفيروز، احتفالات سيناء لا تخص حزباً ولا جماعة، احتفالية وطن، لو تجمع العشرة آلاف فى «وادى فيران»، لنقلوا الوادى إلى سيناء، لحرروها من خوف الإرهاب، ولرفعوا معنويات شبابنا على الحدود، ولطوقوا أعناقهم بالورود.
إذا كان على دعم الرئيس، الرئيس لم يطلب دعماً ولا حشداً، وإذا طلبه، بالسوابق لاحتشد المصريون بالملايين فى الشوارع والميادين، ثقة فى شخص الرئيس وطمعاً فى الأمن والأمان، يقيناً الرئيس لا يحتاج إلى مثل هذه القسمة على شخصه، ولا يطلبها، ولا يرجوها، من خرج ليحمى شعبه من حرب أهلية لا يسمح أبداً بنُذر هذه الحرب أن تطل علينا من كوة ضيقة فى عقول ضيقة، لا ترى حتى ما تحت أقدامها من فخاخ.
مستقبل وطن يتجلى سياسيا فى مهمة مرفوضة، ألهذا تمت عملية تأسيس الحزب وتمكينه من الفوز بمقاعد عديدة فى مجلس النواب، هل يرث الحزب تركة الحزب الوطنى فى الموالاة؟، خطير تحرك هذا الحزب هكذا فى الساحة السياسية، وأن يعين نفسه حزباً للرئيس، والرئيس يرفض حتى ساعته أن يكون له حزب، يفضل حزب المصريين جميعا، وأن يكون رئيس المصريين جميعا، وإن خرج عليه نفر من شبابهم رفضاً، فلهم حق الرفض طالما استمسكوا بعروة الوطن الوثقى وسلامته من كل شر.
غريب أمر هذا الحزب، يبحث عن دور ولو على جثة الوطن، تأمل فكرة حشد عشرة آلاف، لماذا الطنطنة بهذا الرقم تحديداً؟، فقط لأن تقديرات مظاهرة «جمعة الأرض» قالت بنحو عشرة آلاف متظاهر، عشرة أمام عشرة، ومؤيد قبالة معارض، وشباب مقابل شباب، ورموز سياسية وشخصيات عامة مؤيدة مقابل رموز سياسية وشخصيات عامة معارضة، لا يفل المعارضة إلا التأييد.
هذا فكر سياسى سقيم، مصر ليست ميدانين، ميدان واحد يتسع للجميع، مصر ليست فسطاطين، مصر فسطاط المؤمنين بالوطن، مصر لا تقبل القسمة على اثنين، نزّهوا الوطن عن نزواتكم السياسية، طبيعى أن يتظاهر البعض ضد الرئيس، متى اجتمع المصريون على رئيس؟!، فكرة الإجماع لم تعرفها البشرية قط، لم يجتمع القوم على دعوة المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم.
لم نسمع عن حزب مستقبل وطن قبلا فى تلبية حاجات المصريين، لو تفرغ منتسبوه لمحو الأمية لنال شعبية مستحقة، لو اجتمع شبابه على نظافة القاهرة لضربنا لهم تعظيم سلام، لو ساعدوا فى تنظيم المرور لصفق لهم قائدو السيارات، الأحزاب لا تطأ الشارع إلا فى الانتخابات.
يعودون بنا القهقرى إلى ميدان مصطفى محمود، يا لها من ذكرى كئيبة، لا أعاد الله هذه الأيام، من يقسم المصريين على مظاهرتين، وميدانين، وشاشتين، يظلم الوطن ظلماً كثيراً، ومن بعد الوطن يظلم الرئيس ظلماً كبيراً، معقول تحت حكم السيسى تقسم مصر على ميدانين، على فسطاطين، مولاة ومعارضة، قصر عابدين، ونقابة الصحفيين، قسمة ضيزى، هذا ما يتحسب ويحذر منه الرئيس.
لماذا اختصار شعبية الرئيس فى مظاهرة صغيرة مرفوضة ابتداء حتى من المؤيدين، متى كان هذا الحزب الوليد معبراً عن شعب من المحبين للرئيس؟!، هذه المظاهرة لا تعبر عن تأييد شعبى، تعبر عن حزب قرر أن يحتكر تأييد الرئيس، ويثبت أنه حزب الرئيس، وأولى بالرعاية الرئاسية، لهم فيها مآرب أخرى.