وجاءت ذكرى تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلى.. فمتى يجىء الاحتفال بتطهيرها من الإرهاب؟! وهل كُتب على سيناء وأبناء سيناء أن تنجو من حفرة.. فتقع ويقعوا فى دحديرة؟.. وللأسف، ربما تكون دحديرة الإرهاب أبشع من حفرة الاحتلال.
ولكن قضية سيناء سوف تستمر لعقود طويلة تمثل عقبة أمام الوطن، طالما ننظر إليها- فقط- من خلال المنظور الأمنى لا غير.. بينما أرى أن قضية سيناء تتركز فى عملية التنمية والتعمير.. وأرى أن ما يجرى فيها إنما هو نتاج دهور طويلة من الإهمال، واعتبارها منطقة عسكرية، لا تصلح إلا للكر والفر.. أى إبقاؤها منطقة عازلة.. فما منع ذلك احتلالاً أجنبياً - وهو احتلال إسرائيلى تكرر ثلاث مرات «١٩٤٩ - ١٩٥٦ - ١٩٦٧»، بل أنتج فراغاً رهيباً أبرز لنا الإرهاب الذى نعانيه فى السنوات الأخيرة.. والسبب: الإهمال والتفرقة المتعمدة بين أبناء سيناء وباقى أبناء الوطن، فى المعاملة، وفى «المواطنة»، وفى حق التملك، بل الالتحاق بالكليات العسكرية، وكذلك فى حرية التحرك والانتقال، وعندما تنبهنا إلى خطورة هذا السلوك الرسمى - من الدولة - أخشى أن أقول «كان السيف قد سبق العزل»!!
ولم ننتبه - إلا متأخراً - إلى أن مقاومة الإرهاب تبدأ من التنمية ومن المساواة، ومن التعمير، وحرية الانطلاق، وأعترف بأن مجهودات عديدة بُذلت، وأن مشروعات كثيرة نُفذت، ولكن بعضها للأسف لم تكتمل عناصره، وأمامنا - على سبيل المثال - مشروع ترعة السلام لتوصيل مياه النيل إلى هناك، وما مأساة منطقة السد والقوارير إلا نموذج صارخ.. وأيضاً سكة حديد القنطرة - العريش التى توقفت فى نفس يوم افتتاحها!! حتى سكن البوم والغربان محطاتها، وتم نهب خطوط القضبان والفلنكات، ولم نستكمل إلا أقل القليل من مشروعات التصنيع، واسألوا عن مصير منجم فحم المغارة.. وما هو مصير مصانع الفيرومنجنيز.. والفوسفات، وكيف نسمح بتصدير معظم ثرواتها دون تصنيع مثل الرمال البيضاء، وجبال الرخام، وربما لا يتذكر - بعضنا - إلا خوخ العريش وكنتالوب العريش وثمار اليوسفى التى جلبوا شتلاتها من إسبانيا!!
ولقد أحسنت جريدة «المصرى اليوم» عندما خصصت فى عددها أمس ست صفحات تناولت فيها أحلام وأوجاع السيناوية، ولكن مازالت عمليات التنمية تتحرك سلحفاة.. ولولا شجاعة بعض الفدائيين، وفى مقدمتهم الدكتور حسن راتب، الذى أقام المصانع والمشروعات، وجامعات العلم والمعرفة، ولولا مشروعات القوات المسلحة متعددة الجوانب الاقتصادية لاستمرت عمليات تجاهل سيناء.
وأعترف بأن هناك مشروعات عديدة تُفتتح هذه الأيام والساعات، ولكن علينا أن نعترف بأن السيناوية ينتظرون - قبل هذه المشروعات - الاعتراف بآدميتهم، وبحقهم فى الحياة، وقبل أى شىء حقهم فى تملك الأرض ليبنوا عليها مساكنهم - والسكن من السكينة - ويزرعوا بعضها ليأكلوا ويعطوا للوطن من إنتاجها، بشرط ألا يحصل على هذا الحق إلا السيناوى الأصلى والأصيل حتى عاشر جد.. مهما كانت الأسباب والسياسات.
** ولكننى أعترف بأن هناك قصوراً شديداً، بل تضارباً فى الجهات الرسمية المسؤولة عن عمليات البناء والتنمية، ويكفى أن مقرها ليس داخل سيناء أو فى عمقها!! وهنا أسأل: لماذا لا ننظم مؤتمراً شعبياً وعلمياً وعملياً ورسمياً يُعقد فى قلب سيناء، فى مدينة نخل- مثلاً- التى كانت هى عاصمة سيناء قبل العريش.. تتسابق كل الهيئات العلمية والشعبية لوضع تصورهم لمشروعات التنمية، ما يجرى تنفيذه، وما يمكن تنفيذه فى المستقبل.. وكل ذلك تحت إشراف «وزارة تنمية وتعمير سيناء»، يكون مقره ومقرها فى قلب سيناء، وأن نستمع جيداً لرغبات، بل لمطالب السيناوية حتى نقضى- وإلى الأبد- على كارثة عزل سيناء.. ونربطها بالوطن كله.
وأهل سيناء أولى بشعابها!!