بعيدًا عن إيماني الشخصي بمصرية جزيرتي تيران وصنافير، والذي يكفيني فيه عناقيد الدم على التراب، وبغض النظر عن حاجز الخوف الذي انكسر بعد «جمعة الأرض»، لو أني ضابط يكتب تقديرًا أمينًا للموقف قبل الإثنين 25 إبريل سيتحتم عليَ أن أطرح على نفسي خمسة أسئلة.
الأول.. أي مُراقب سيُدرك تغيرًا ملحوظًا على أداء هؤلاء الذين ثاروا قبل خمس سنوات ثم خرجوا بجمعة الأرض تمسكًا بتيران وصنافير، كان بإمكانهم وبمراهقة ثورية إعلان اعتصامهم حتى يتراجع الرئيس لكنهم أنهوا وقفتهم مؤقتًا، وبالموازاة تقدموا في مسارات تعبوية أخرى مثل الحشد الإلكتروني وجمع التوكيلات وملء الاستمارات، وتتويجًا لهذا أشهروا 25 إبريل استئنافًا لغضبهم بالشارع، اختيار «عيد تحرير سيناء» موعدًا للعودة أظهر نضجهم وإجادتهم التكتيك التصاعدي، السؤال: في أي مربع سيقف الكادحون الذين لم يروا خلال عامين يومًا سعيدًا مع الرئيس؟؟
الثاني.. في جمعة الأرض لم تتورط الشرطة بدم يُحول التظاهر إلى ثورة، يومها قرر أحدهم بأروقة الأمن التعامل مع المشهد بحكمة تُحسب له، ولم يضع ضابط الشرطة في موقف العدو أمام مُتظاهر من أجل الأرض، وقبل أيام نشرت جريدة الشروق تقريرًا أظهرت فيه غضب الرئيس من لين الأمن تجاه المتظاهرين، الرئاسة نفت ذلك ببيان، الشروق نشرت اعتذارًا، وفي ذات الليلة وتحسبًا ليوم الإثنين داهمت الشرطة البيوت والمقاهي للقبض عشوائيًا على المصريين في مشهد كوميدي أسود!! السؤال: مَن داخل النظام تعمد تكذيب بيان الرئاسة بأفعال على الأرض حشدًا لـ25 إبريل؟!
الثالث.. الإخوان بانتهازيتهم الأصيلة أصدروا قبيل جمعة الأرض بيانًا أعلنوا فيه مشاركتهم!! لو أني ضابط بالأمن الوطني لقررتُ صرف مكافأة لصاحب الفكرة التي أثنت كثيرين عن المشاركة رغم نجاح اليوم، الجماعة وفق بنيتها الفكرية مُفرطة بطبيعتها في التراب القومي وغير مكترثة به في مشروعها، لكن رغبتها الجشعة في الكسب السريع دفعها لهذا البيان المثير للغثيان، والذي أكد أن ما تبقى من كوادر إخوانية خارج السجون لا تزال بعيدة عن استيعاب كل ما مر خلال السنوات الماضية!! السؤال: إلى أي مدى ستبقى جماعة الإخوان هي الدرع الأهم للنظام في مواجهة خصومه؟؟
الرابع.. في ظاهرة فلكية نادرة، وحدت حسابات إقليمية وداخلية بين أجندة الفضائيات المصرية وشبكة الجزيرة في الموقف تجاه تيران وصنافير!! قنوات رجال الأعمال إما تعامت عن المشهد أو نقلته عقب تردد وعلى استحياء يُلحق العار بالأداء أكثر مما يُشرفه!! أما «الجزيرة مباشر» فلم تبث صورًا حية للمحتجين، بل مُسجلة ومصحوبة بشريط صوت انتقائي لهتافات ضد السيسي ودون ذكر للجزيرتين حتى تُخرج المشهد كثورة ضد النظام وبنفس الوقت لا تُغضب آل سعود، السؤال: هل سيحسم الإعلام المعركة في الفضاء أم أن للأرض شعبًا يحميها؟؟
الخامس.. قبل انطلاق جمعة الأرض بـساعات، بث مركز الدراسات الاستراتيجية الأمريكي STRATFOR عبر موقعه تقريرًا قال فيه إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية نصح الرئيس بعدم التنازل عن الجزيرتين، هذا المركز الأمريكي «ذو الثقل» وغيره لن يتركوا التغيب المفاجئ للرئيس عن الندوة التثقيفية للقوات المسلحة وخروج وزير دفاعه بتصريحات تُقرأ من اليمين لليسار والعكس، دون بث مزيد من التقارير الصادقة أو الكاذبة والتي ستُطوع دعائيا، السؤال: ما إجمالي الكلفة التي ستُدفع حال المُضي بالتنازل عن الجزيرتين؟؟
في النهاية، ولو أني ضابط سيتحتم عليَ التفكير بعُمق قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال الأخير، خاصة وأن الرجوع للحق فضيلة، واتخاذ قرار صحيح اليوم أفضل كثيرًا من غد أو بعد غد، وإن مرت جمعة الأرض بسلام، فإن للأسبوع ستة أيام أخرى.
للتواصل مع الكاتب عبر تويتر: twitter.com/sheriefsaid