أغار عليك يا وطني

محمد حبيب السبت 23-04-2016 22:13

هذا الصخب الدائر بخصوص قضية جزيرتى «تيران» و«صنافير»، لا ينسينا ولا يحجب عنا حقيقة مهمة وهى أن قطاعا كبيرا- يمثل الغالبية العظمى- من المصريين يعشقون وطنهم ولا يتصورون لحظة أن جزءا منه - مهما كان صغره أو تنائيه - يمكن أن يتم التساهل فيه أو التنازل عنه لأى سبب من الأسباب..

إن مصر كما قال الراحل شنودة، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ليست وطنا نعيش فيه، بل وطن يعيش فينا.. والمعنى فى غاية الروعة، أن الوطن هو روحى وعقلى وقلبى ووجدانى.. هو ميلادى، وطفولتى، وصباى، وشبابى، ورجولتى، وكهولتى.. هو بيتى وقريتى ومدينتى.. هو مسجدى وكنيستى، ومدرستى وجامعتى.. هو حشد الذكريات التى أعيش عليها، والزمن الجميل الذى طالما أسعدنى وأبهجنى.. هو مستقبل أيامى وأهلى وأولادى وأحفادى.. الوطن كل هذا وأكثر.. والواقع أن مصر ليست وطنا فحسب، لكنها تاريخ ومجد، عراقة وأصالة، مكانة ومنزلة، وقيمة وقامة، وما كتبه المفكر العبقرى «جمال حمدان» عن مصر فى مؤلفه القيم «شخصية مصر.. عبقرية المكان»، يحتاج أن نتوقف أمامه طويلا..

تخيلوا معى أن هناك شابا مصريا يعيش بيننا، ينتمى لأسرة، أم وأب وإخوة وأخوات، ونعلم ونوقن نحن المحيطين به أنها أسرته، إذا بنا نستيقظ يوما على قصة غريبة تقول إن هذه الأسرة ليست أسرة الشاب، وأنها وجدته لقيطا بجوار أحد المساجد، وأنها أخذته وربته وعلمته وصرفت عليه كما يقال «دم قلبها»، وبعد أن صار شابا يافعا إذا بأسرة أخرى تدعى نسبته لها(!)..

قولوا لى بالله عليكم، ما هو شعور الشاب، بل ما هو شعور الأسرة التى ظلت طوال حياتها تحوطه بكافة أنواع العناية والرعاية؟ وهل تتقبل هذا الأمر بأعصاب هادئة، وروح مرحة، ودون أى انفعال؟ إننا نحن المصريين على وجه الخصوص مرتبطون بأرضنا ارتباط الروح بالجسد، لا ننفك عنها ولا تنفك عنا.. لذا، فالقليل- والقليل جداً- منا من يهاجر إلى أوطان أخرى، وأننا أقل شعوب الأرض هجرة لأوطانهم.. وحتى هؤلاء المهاجرون الذين تدفعهم ظروفهم الصعبة إلى الهجرة، تجدهم يحنون إلى وطنهم حنين شوق وهوى، ويتمنون العودة إليه.. ونكاد لا نجد شعراء تغنوا بأوطانهم مثلما فعل شعراء الوطنية عندنا.. يكفينا ما قاله حافظ فى رائعته «مصر تتحدث عن نفسها»: أنا إن قدر الإله مماتى.. لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى.. ويكفينا أيضا ما قاله شوقى: وطنى لو شغلت بالخلد عنه.. نازعتنى إليه فى الخلد نفسى..

وقوله عندما كان فى منفاه بالأندلس: يا نائح الطلح أشباه عوادينا.. نشجى لواديك، أم نأسى لوادينا- ماذا نقص عليك غير أن يدا.. قصت جناحا جالت فى حواشينا.. أعتقد أن الرئيس يعلم مدى عشق المصريين لوطنهم وغيرتهم عليه، ولعله عبر عن تأثره بذلك، وهو شىء محمود.. المصريون يا سيادة الرئيس ليس عندهم ما هو أغلى ولا أحلى ولا أروع من الوطن.. ومحال على هؤلاء العاشقين المتيمين أن يسيئوا إلى محبوبهم.. وإن صنعوا يوما شيئا يضر به، فعلى غير إرادة منهم.. لأجل ذلك، رفقا بهم.. هم لا يزالون يتذكرون جيدا قولتك عنهم: إن الشعب المصرى يحتاج إلى من يحنو عليه ويربت على كتفه.. لا تنس يا سيادة الرئيس أنهم يئنون ويعانون، من مشكلات وقضايا كثيرة.. هم يحتاجون لفرحة تغمر صدورهم وسعادة تملأ قلوبهم.. ولا يتم ذلك إلا بأن يشعروا بأن الرئيس الذى اختاروه يعمل حسابا لهم، وينزلهم منزلتهم.. يعطيهم حقهم فى أن يستمع إليهم، ويأخذ رأيهم، خاصة فيما يمثل بالنسبة لهم الروح والعقل والوجدان.. أنت تعلم مدى حبهم لك وثقتهم بك، فلا تفعل شيئا يسىء إلى هذا الحب ويضر بهذه الثقة.. إنهما زادك الحقيقى، ليس فى حكمك فحسب، ولكن فى حياتك أيضا..

لكن للأسف، هناك من يعمل على تأكل هذا الحب وتراجع هذه الثقة ؛ سواء عن قصد أو غير قصد.. ولا ندرى هل أنت منتبه لذلك أم لا؟ لدينا مسؤولون ليسوا على مستوى التحديات التى تواجهها مصر، وهؤلاء لا يحسنون التصرف، أو يتصرفون بحسن نية، لكنهم لا يدركون حجم وعمق المسؤولية التى يتولون أمرها، ربما لأن قدراتهم محدودة وإمكاناتهم متواضعة.. ومن ثم، نرجو إعادة النظر فيمن تستعين بهم؛ من حيث القدرة والكفاءة، ومصر فيها الكثير من أصحاب القدرات والكفاءات.. فإما أن يتم الاستغناء عنهم، واستبدالهم بمن هم أقدر وأكفا، أو يتم سد النقص بأشخاص آخرين يستطيعون القيام بالواجب على أفضل ما يكون..