«الروتين» يحكم «مدينة مبارك العلمية» والأبحاث «حبر على ورق»

كتب: محمد الخولي الإثنين 01-11-2010 15:16

Your browser doesn’t support HTML5 video

طريق طويل تقطعه السيارة فى وقت لا يتعدى الساعة من مدينة الإسكندرية حتى مدينة برج العرب الجديدة، ووسط الرمال التى تحاصر الطريق من الجانبين تظهر قمم لأهرامات ذات حجم ضخم يحوطها سور من جميع الاتجاهات، وعند الاقتراب أكثر نحو بوابة المنشأة تجد مكتوباً عليها «هنا مدينة مبارك للأبحاث العلمية».


مشروعات بحثية عديدة أنجزها باحثو المدينة بتمويل من برامج إنمائية مصرية وأوروبية، يوضحها الدكتور عبدالهادى قشيوط، عميد معهد التكنولوجيا المتقدمة: «حصلنا على مشروع ممول من صندوق العلوم والتكنولوجيا بالمعهد بقيمة 2 مليون جنيه ويهدف لتصنيع نماذج أولية لخلايا شمسية منتجة للطاقة الكهربائية، معتمدين على المواد النانو تكنولوجية، ووصل فريق البحث لمراحل متقدمة جدا فى المشروع، وأنتج الخلايا الشمسية بمساحة مصغرة ليتم تكبيرها على مراحل لتصل لنموذج نصف صناعى بمساحة 100 سم مربع لديه القدرة على إنتاج 10 وات يمكن استخدامها فى أعمال بسيطة، ويمكن تكبير النموذج للحصول على قدر أعلى من الطاقة الكهربائية، ولدينا بحث آخر لتحلية المياه باستخدام أنابيب الكربون النانوية، كما لدينا براءة اختراع لمادة تقوم بتنقية مياه الصرف الصحى بدرجة عالية».


وأضاف: «هناك مشروعات كثيرة ممولة من جهات عديدة منها الوكالة السويدية للتنمية والاتحاد الأوروبى وجامعة الإسكندرية، ومن هذه المشروعات تحضير أغشية رقيقة مستخدمة فى الخلايا الشمسية، وتصنيع نماذج أولية من الأجهزة الكهروحرارية، واستخدام المواد المتقدمة فى الحفاظ على الأوراق ذات القيمة التاريخية والأثرية».


«نجحنا فى الوصول لعلاج لفيروس الالتهاب الكبدى الوبائى C».. هذا ما أكده الدكتور الراشدى رضوان، وكيل معهد الهندسة الوراثية، وأضاف: «بدأنا منذ عام 2006 البحث وتوصلنا لبروتين اسمه اللاكتوفرين وهو رابط لجزيئات الحديد بالجهاز المناعى، قادر على تثبيط ومنع دخول فيروس C للجسم ويستطيع وقف نشاطه لو كان الفيروس متوطناً بالكبد، لأنه يربط ذرتى حديد معا داخل بروتينات الجهاز المناعى ويصد هجوم الفيروس نهائيا عن الجسم»، وأضاف: «أجرينا تجارب على خلايا بشرية مصنعة معمليا نقوم بحقنها بالفيروس والبروتين، ونجح البروتين المستخدم فى وقف نشاط الفيروس نهائيا، لكن المشكلة التى تواجهنا هى تجربة المادة الجديدة على الشمبانزى، لأن جسمه مشابه للإنسان ويصعب علينا إحضاره لإجراء التجارب عليه». وتابع: «البيلوت» هى وحدة التجارب نصف الصناعية، وتحتوى على أجهزة تقدر بملايين الجنيهات وعلى أعلى مستوى تقنى تعتمد عليها المدينة فى تنفيذ الأبحاث العلمية فى مرحلة ما قبل الصناعة.


وأكد الدكتور صالح مطر، رئيس قسم تطوير صناعات التكنولوجيا الحيوية بمعهد الهندسة الوراثية، المشرف على وحدة «البيلوت»، أن وحدة التجارب نصف الصناعية لها دور كبير فى نقل عملية البحث للتنفيذ، وهى الوسيط بين شغل المعمل والصناعة.


وأضاف «مطر» أنه يجرى حاليا التجهيز لمشروع لتطوير المكافحة البيولوجية لأمراض النبات. وأوضح: استعنا بمواد بيولوجية بديلة للمواد الكيمائية التى تستخدم لمكافحة الآفات وأنتجنا منها مجموعة لديها القدرة على مقاومة أمراض عديدة بالنبات واستطعنا إثبات نجاحها معمليا وتم إنتاجها كوحدة تجارب صغيرة، واستعنا بوحدة «البيلوت» لإنتاج كميات كبيرة من المبيد الحيوى وقمنا بتجربته على مساحة 5 أفدنة ونجحت فى القضاء على الأمراض وندرس إمكانية إنتاجها صناعيا لتستفيد منها الزراعة».


30% من الأبحاث المقدمة للحصول على براءات اختراع تم قبولها، بجانب عشرات الأبحاث المنشورة بمجلات علمية عالمية ومئات الأبحاث المنشورة بمجلات مصرية وصلت فى بعض الأحيان إلى أنه فى عام 2009 نشر 59 بحثاً لمعهد التكنولوجيا المتقدمة، لكن ظلت هذه الأبحاث بلا جدوى اقتصادية أو اجتماعية، لأنه لم يتقدم مستثمر واحد للتعاقد على تنفيذ أى مشروع أو بحث حصل على براءة اختراع، وهناك حلقة وصل ضائعة بين الطرفين.


«المنطقة الاستثمارية ستحل مشكلة ربط البحث بالصناعة».. هذا ما أكده الدكتور ياسر رفعت، القائم بأعمال مدير مدينة مبارك، وأضاف: «نعترف بأن هناك مشكلة تواجه البحث العلمى عموما فى مصر، وهى عدم التسويق الجيد للأبحاث لتجذب المستثمرين وهناك خطة تمت الموافقة عليها بإنشاء منطقة استثمارية علمية على مساحة 135 فداناً داخل المدينة التى يبلغ إجمالى مساحتها 225 فداناً، وهذا يقرب بين الباحثين والمستثمرين للاستفادة من أبحاثهم العلمية».


الأبحاث لها مصدرت تمويل، الأول حكومى ممثل فى الميزانية السنوية غير الثابتة، التى لا تتعدى 20 مليون جنيه فى العام الجارى، والثانى متمثل فى المشروعات البحثية بالتعاون بين الباحثين والجهات الممولة مثل صندوق العلوم والتكنولوجيا والجهات الأوروبية، لكن كعادة أى مركز بحثى يعانى الروتين فى عملية توفير المواد التى تحتاجها الأبحاث الممولة من الميزانية الحكومية».


«الروتين هو أكبر المعوقات التى تواجهنا كباحثين بمدينة مبارك».. هذا ما قال الدكتور عماد على سليمان، باحث بقسم علوم البولميرات. وأضاف: «فى أوقات كثيرة أحتاج مواد كيميائية لا أستطيع أن أشتريها مباشرة وأضطر للانتظار شهوراً حتى تعقد مناقصة بين الشركات ويتم اختيار الشركة التى تقدم عروضاً مناسبة وترصد ميزانية معينة لها بالموازنة، وكل هذه المراحل تؤخر من سير عملية البحث».


وأضاف: «أطالب بأن يتم توفير عملة أجنبية لإجراء عملية الشراء المباشر للمواد، ولا يدخل الباحث فى دوامة الروتين والمناقصات التى تعطل بحثه سنة كاملة».


«هناك 50% من الباحثين لا يشتركون فى مشروعات ممولة من البرامج الخارجية».. هذا ما يؤكده الدكتور صالح مطر، وأضاف: «نحن نعترف بأن هناك مشكلة فى تأخر توفير المواد الكيمائية للباحثين لكننا نعمل طبقا لقانون المناقصات العام ولا نستطيع أن نتخطاه، لكن إذا احتاج الباحث لنفقات بسيطة لاستكمال بحثه يحصل على سلفة فورية من المدينة، وإذا كان المبلغ ضخماً نقوم بعمل مناقصات سنوية للأجهزة والمواد التى تحتاجها المدينة ونضع لها شروطاً ويتم طرحها فى السوق وتتقدم شركات بعروض وتتشكل لجنة بت فنية ثم لجنة مالية لاختيار الأرخص، ثم لجنة فحص فنية نهائية لقبول المناقصة».


ضعف رواتب الباحثين التى تتراوح بين 1200 و1400 جنيه دفع 9% من الباحثين للسفر خارج مصر كإعارة، للعمل بمراكز بحثية بدول عربية وأجنبية لأنها ترصد أرقاماً فلكية تصل فى بعض الأحيان إلى 13 ألف جنيه ببعض دول الخليج، على حد قول أحد الباحثين، الذى طلب عدم نشر اسمه.


«لاتزال رواتب الباحثين عموما تحتاج لزيادات كبيرة ويجب رصد حافز جودة للباحثين مساواة بأعضاء هيئة التدريس، لكن أعتقد أن المشروعات الممولة من الجهات الإنمائية تحل مشكلة الروتين والرواتب معا».. بهذه الكلمات أشار الدكتور ياسر رفعت إلى مشكلة الباحثين. وأضاف «هذه الجهات ترصد الملايين كتمويل مباشر للأبحاث، وتتيح للباحث التحكم فى الإنفاق السريع على بحثه، لذا أدعو كل الباحثين فى المدينة لتقديم طلبات تمويل مشروعات لهذه الجهات كصندوق العلوم والتكنولوجيا وبرنامج بحوث وتنمية الابتكار (RDI) لأنها ترصد دخلاً شهرياً مرتفعاً لكل باحث بعيدا عن الراتب الحكومى طول فترة إجراء المشروع».


وقال الدكتور حسن معوض، الرئيس الأسبق لمدينة مبارك: «كان هناك مشروع قانون خاص بمدينة مبارك يهدف إلى تحريرها من قيود الروتين الحكومى ورفع أجور الباحثين وقدمنا هذا المشروع فى فترة الدكتورة فينيس كامل، وزيرة البحث العلمى السابقة، لكى تعامل المدينة معاملة خاصة فيما يخص التمويل وحركة شراء الأجهزة والمواد التى يحتاجها الباحثون لأنها نشأت فى بيئة صناعية ببرج العرب وكان هدفها منذ صدور قرار إنشائها أن تحقق تنمية للصناعة وتحل مشاكل المجتمع، ومن الصعب أن يتحقق هذا فى وجود قانون مناقصات عام يطبق على كل القطاعات الحكومية ولا يناسب قطاع البحث العلمى».


وتابع: «تم عرض مشروع القانون على لجنة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة وأحالته لوزير المالية لكن لم يأخذ تجاهه أى قرار، بحجة أنه «يجب ألا تفضل مدينة مبارك على باقى المراكز البحثية، وطلبنا من الوزير أن يصدر القانون ويشمل كل المراكز لكن لم يتم تمريره وتم تعطيله».


وطالب د. معوض بإصدار قانون خاص بالمراكز البحثية ليحمى الباحثين من الروتين ويرفع أجورهم ويسهل إجراء بحوثهم. وأضاف: «سر نجاح مكتبة الإسكندرية هو صدور قانون خاص بها يفصلها عن باقى الهيئات الحكومية ويحميها من الروتين ويرفع أجور العاملين بها مقابل الحصول على أداء عال».


«أود أن أسجل إعجابى بما سمعته وشاهدته عن المدينة عالية التقنية فى شينزن بالصين، التى تمثل صرحا عالميا، كما سعدت بإبرام بروتوكول التعاون مع مدينة مبارك العلمية لما فيه صالح لبلدى، مع تمنياتى بزيادة التعاون فى هذا المجال».. كلمات دوّنها الرئيس مبارك على أحد بروتوكولات التعاون المشترك بين مصر والصين عام 2002 بهدف رفع كفاءة المدينة البحثية المصرية لتضاهى نظيرتها الصينية، وتقدم حلولاً علمية لمشكلات المجتمع المصرى وتشارك فى تحقيق تنمية علمية وتكنولوجية واقتصادية وتخرج عن عباءة باقى المراكز البحثية. ورغم الاهتمام الرئاسى بإنشاء مدينة عالمية متقدمة جاءت عمليات تمويل المدينة على مراحل بطيئة منذ صدور القرار الجمهورى بإنشائها عام 1993، واستغرقت 7 سنوات كاملة ليفتتحها الرئيس عام 2000 بمعهدين فقط رغم صدور قرارها بإنشاء 12 معهداً فى الأساس، وبعد مرور 10 سنوات على افتتاح المدينة توجد بها ثلاثة معاهد بجانب معهد تحت الإنشاء ومركز لتنمية القدرات.