أخبار كثيرة تتناقلها الصحف حاليا، وعلى مدى عدة شهور مضت، نقلاً عن وزارة التموين بصفة خاصة وإحدى الجهات الأخرى، حول توزيع أو بيع أطنان من أوراك الدجاج فى القاهرة والمحافظات بصفة شبه يومية، أخبار أخرى تتحدث عن استيراد مئات الأطنان من الأوراك من الخارج، صالحة أو غير صالحة، ليس هذا موضوعنا، إعلانات لا حصر لها عن أسعار زهيدة لبيع أوراك الدجاج، الثلاجات فى السوبر ماركت والهايبر ماركت متخمة بأوراك الدجاج.
السؤال البديهى هو: أين الصدور، أين صدور هذا الدجاج المعلن عنه تحديداً، هل هناك اختراع جديد الآن لإنتاج دجاج بلا صدور، أو إنتاج دجاج مكون من الأوراك فقط، أم أن هناك بعض الدول التى تذهب إليها الصدور، ودولاً أخرى متخصصة فى استيراد الأوراك، أم أن هناك إحدى الدول التى أثبتت ملكيتها للصدور فتنازلنا عنها؟!، قد تكون مجموعة دول الصدور هى التى نطلق عليها أولاد الوزة البيضة، والمجموعة الثانية التى ننتمى إليها هى أولاد البطة السودة، لكن البطة السودة أيضاً نعلم أن لها صدراً.
فى نفس الإطار، كان الخبر الآخر الذى نال حظه من النشر بصورة مكثفة، وهو اكتفاء مصر ذاتياً من البيض، إذن من الممكن إنتاج دجاج كامل الأعضاء محلياً دون حاجة إلى استيراد، خاصة إذا كانت الدول المصدرة تحتفظ لنفسها بالصدور، من الممكن الاكتفاء ذاتيا من الدجاج أسوة بالبيض، الأمران متلازمان، الاختلاف فقط كان على إجابة السؤال الأزلى، أيهما كان فى بدء الخليقة، الفرخة والّا البيضة؟ لماذا الاستيراد إذن إذا كنا استطعنا الاكتفاء الداخلى من البيض؟ لنسعى إلى توفير العملة الأجنبية إسهاماً فى حل تلك الأزمة التى تعانى منها الدولة حالياً على الأقل، بالتأكيد بعد ذلك سوف نرى صدوراً بالأسواق.
فى الحقيقة نحن أمام لغز، تابعت خلال الشهور الماضية تصريحات المسؤولين، لعل أحداً يستطيع تفسيره، إلا أن أحدا لم يحاول الإجابة، من حق الأطفال أن تصلهم المعلومة الصحيحة على الطبيعة، وهى أن الدجاجة تتكون من صدور وأوراك، من حقهم أن يدركوا مكونات الدجاجة كاملة، من حق الكبار أن يتعاملوا مع الصدر الذى طالت غربته وغيبته، من حق أفراد الأسرة الاختيار أثناء الطعام، «ورك والّا صدر» بما لا نفرض عليهم ما يأكلون، مع الأخذ فى الاعتبار أن معظم أفراد الأسرة يحبذون الصدر، لذا بدا واضحاً أننا نعاقبهم، هكذا تعودنا من مسؤولينا.
لم نتحدث حتى الآن عن الأوانص والكبدة «أونصة الدجاجة وكبدها»، فى السابق كنا نجدها مع الدجاجة، أو مع البطة، أو حتى مع الحمامة، لا أدرى الآن من الذى طمع فيها، أصبحت تُجمع فى أكياس لبيعها بمنأى عن هذه أو تلك، كيلو كبد، أو كيلو أوانص، أى أن الطفل يمكن أن يشب على الدنيا ويشيب ولا يدرك أن هذه جزء من تلك، أو أن هذه جميعها مكونات الدجاجة، وبما أنه قد رأى أن هناك دجاجا يتكون من أوراك فقط، فبالتأكيد هذا الدجاج لا كبد له، وربما لا رقبة ولا رأس أيضاً.
هل هى المدنية أيها السادة التى فعلت بنا ذلك، أم أنه الجشع والطمع، أم أن وزارة تموين المرحلة تبحث عما هو أرخص ثمنا للناس، فأصبحت تستورد ما يستغنى عنه الآخرون؟ ربما أميل إلى هذا الطرح، فقد يكونون أكثر حاجة فى الخارج إلى الصدر لاستغلاله فى أكثر من شكل على مائدة الطعام، من فصيل وسلالة البانيهات والمشويات، على خلاف الورك الذى قد تكون استخداماته أقل حرفية، وقد يكون الاستغناء الخارجى عن الأوراك نتيجة ارتفاع نسبة الكوليسترول بها، حسبما أشارت الدراسات فى الآونة الأخيرة.
على أى حال، من حق الشعب على حكومته أن تمده بالصدور على مختلف أنواعها، ومن حق الشعب أن يعلم سر هذه السياسة الغذائية والاستيرادية الغريبة، إلا أن الأغرب هو أن الناس يتهافتون على سيارات البيع والتوزيع للحصول على النصيب الأكبر من الأوراك، لم يسأل أحدهم ذات مرة، أين الصدور، ربما انطلاقاً من نظرية عصفور فى اليد، ربما نتبتر على نعمة الورك، فيطير إلى غير رجعة، ربما كانت أسعار الصدور مضاعفة، لما لها من بريق جذاب، لنتعامل مع ضيق اليد.
الأكثر من ذلك هو أن البعض بالفعل أصبح لا يتذكر أن الدجاجة يجب أن يكون لها صدر، فأصبح يتعامل مع الورك بمصطلح الدجاج، فى غياب الدجاجة كاملة، بعد أن أصبحت من الماضى، أو من التراث، إلا أننا سوف نبحث عنها، حتى لو فى وثائق الدولة العثمانية، فهى فى الأصل مصرية، يشهد على ذلك الفنان عبدالفتاح القصرى، حينما ذبح ديك الفنانة زينات صدقى وأكله من شدة الجوع، وقد برر ذلك بقوله: «جيت لقيت الديك بتاعكوا مع الفرخة بتاعتنا، فى وضع غير طبيعى، دمى فار، دبحته»، وحتى خريطة عشة الفراخ موجودة فى مكتبة الأفلام بالتليفزيون، بل رسومات الطيور، مازالت تشهد بها جدران دولة الفراعنة، الحمد لله، قد يكون هناك من يفكر فى أمر ما.