قبل سنين طويلة تعارف العسال واللبان، الأول صاحب أرض واسعة بجوار الجبل، تضم أعشاشًا كثيرة للنحل، والآخر صاحب واديًا يضم أبقارًا سمينة. تعارف الاثنان عندما وقف العسال على صخرة عالية في الجبل فوجد قطيع الأبقار- في أرض جاره- كبيرًا ومخيفًا، ووقف اللبان في أرضه ناظرًا إلى الغيوم في السماء ورأى سرب النحل يطوف وقد علا طنينه.
تم لقاء العسال واللبان الأول ذات صباح في مقهى بين أرضيهما، جاء كل منهما باسمًا ومحملًا بالهدايا للآخر، العسال معه ألوان من العسل الأبيض والشمع، واللبان معه الجبن والزبد والقشدة. بعد أن تبادلا التحية، قال الأول «أرى أن كلينا يمكنه إفادة الآخر والاستفادة منه»، رد عليه «نعم.. يشرفني استضافة النحل الكثير في أرضي الخضراء، سوف أبني له بعض أحواض الزهور»، تبسم العسال قائلا «وأنا أيضا يشرفني استضافة أغنامك». فرح الاثنان بالصفقة الجديدة، العسال سوف يربي نحلا ينتج المزيد من أنواع العسل، واللبان سوف يربي أغنامًا. وضع العسال طبقًا من العسل واللبان طبقًا من القشدة، وخلطا الاثنين توثيقًا للاتفاق.
صار لقاء القشدة والعسل عادة سنوية، يتناول فيها الاثنان الفطور سويًا ويبرما بعض الاتفاقات التي تحقق المنفعة لكليهما. في العام التالي، أخبر العسال صديقه بأنه يريد تعبئة عسل النحل بنفسه، ومن ثم تسويقه ليحصل على أرباحه كاملة، أيد اللبان الفكرة، واقترح عليه أن يتشاركا في مصنع للزجاج ينتج حاويات زجاجية للعسل وزجاجات اللبن. وتمت الصفقة. في العام الذي يليه، قال اللبان للعسال إنه بات يوّرد لحوم أبقاره لمحال الأكل السريع، وأخبره العسال بأنه صار يبيع بعض العسل لشركات مستحضرات التجميل والدواء. وفي العام الثالث، بنى اللبان مصنعًا ضخمًا لتغليف اللحوم وبيعها مجمدة، واقترح إقامته على أرض العسال، حتى لا تتوتر علاقته بالزبائن من أصحاب محال الأكل السريع. وبنى العسال مصنع (الجمال الطبيعي لكريمات ترطيب البشرة والشعر) واقترح إقامته في أرض اللبان، حتى لا تتوتر علاقته بزبائنه من أصحاب معامل مستحضرات التجميل.
ومرت سنوات تكررت خلالها- جميعا- لقاءات القشدة والعسل. وعام بعد الآخر، تتسع أرض العسال واللبان وتضم مزيدًا من المصانع. العسال يدخل شراكات مع مزيد من شركات الأدوية، ويتحول العسل إلى أقراص ومقويات ودواء شراب لتغذية الأطفال دون العشر سنوات. واللبان يدخل شراكات مع مطاعم كثيرة، ويتحول اللبن إلى (سمن فلاحي) و(زبادي يساعد على الهضم).
في لقاءات القشدة والعسل يختلط الصنفان فقط، لكن لا العسال ولا اللبان قادران على تناول الطبق اللذيذ، قال اللبان «منعني الطبيب من تناول الطعام الدسم، وصارت معدتي لا تتحمل الألبان»، رد العسال «لا بأس يا صديقي.. لماذا لا تستفيد مما قاله الطبيب لك؟.. عليك أن تفكر فيمن هم مثلك!» فهم اللبان مقصده ورد «أنت صديق ذكي ومخلص... لكن، لما لا تتناول القشدة بالعسل؟»، فأجابه «أسناني لا تحتمل العسل!» وابتسم الاثنان. انتهى اللقاء وقد عزم اللبان على خط إنتاج للبرجر النباتي والجبن النباتي ولبن الصويا، وعزم العسال على تصنيع نوع مختلف من معاجين الأسنان.
امتلأت المدينة بإعلانات معجون أسنان العسال (الذي يحقق لك أسنانا صحية بفضل مكوناته الطبيعية)، ومنتجات (الصحة الشهية لكل ست بيت عصرية) التي تعد المرأة بتغذية جيدة لأسرتها دون الإضرار بمن فيها من كبار السن. لم يمر وقت طويل إلا ودخل العسال في شراكات مع مصانع الحلوى، وأسس اللبان سلسلة مطاعم جديدة. تضاعفت مشروعات الرجلين، واحتاجا مزيدا من الدعاية. في لقائهما التالي لخلط القشدة والعسل اتفقا على إنشاء قناة فضائية غرضها تسويق منتجات مصانعهما، قال العسال «ليس ذلك فقط، في الحقيقة بعض المغرضين بات يسأل عن مصادر أموالي، يشككون في ذمتي، تصور!»، رد اللبان «لا تحزن يا صديقي، دائما ما يفعلون ذلك مع الناجحين...أنا أيضا أصبح البعض يسألني عن مصدر أموالي».
انطلقت القناة الفضائية تذيع مسلسلات في المساء وبرامج أطفال في الصباح وبرامج اقتصادية في الظهيرة وبرامج دينية عصرا، وبين كل ذلك تتوالى دعايات صابون الجمال بالعسل الذي يعد النساء بالنضارة الدائمة، والحلوى الطبيعية الآمنة لأطفالك، ومطعم (الطبق المستدير) الذي يقدم أصنافًا صحية لكل أفراد الأسرة، ويعطي هدايا للأطفال عبارة عن فرشاة ومعجون أسنان طبيعي، وألبان (القوة والصحة) للرضع ومنها أيضا نوع للأطفال في سن المدرسة، بالعسل الأبيض لمنحهم النشاط والتغذية دون إضافة سكر.