تستوقفنى كثيراً أفكار الكاتب المجهول - نيوتن، الذى يشد الناس بمقالاته.. وأكثر بأفكاره غير التقليدية فى «المصرى اليوم»، وهو فعلاً يفاجئ القراء - بل الأصدقاء - بما يطرحه من أفكار.. وهذا سر نجاحه فيما يطرحه وينفذه من أفكار.
ونيوتن لا يؤمن بنظرية «العدد فى الليمون»، ربما لأنه يعتقد أكثر بالنتائج، ولذلك لا ينظر إلى حكاية «الألف مصنع» التى يرى البعض أن فيها الإنقاذ، ربما أنها ترضى حب الملكية عند البشر.. وأن تجارب الدمايطة الناجحة هى أن لكل صنايعى ورشته الخاصة.. وربما بيته، أعلى هذه الورشة.. ولكن، اقتصادياً يرى نيوتن العكس تماماً، إذ يرى الفائدة الأعظم هى فى المصانع الكبيرة، والمؤسسات الصناعية العملاقة.. سواء من ناحية التكاليف الكلية، أو فى الإنتاج الكمى.. وأيضاً فى تكاليف الإدارة الاقتصادية للمشروع، أى مشروع.
وأقف مع هذه المبادئ تماماً.. وإذا كان نيوتن يقول إن مصنع نسيج واحداً يعمل فيه عشرة آلاف عامل.. خير من ألف مصنع يعمل فى كل واحد منها عشرة عمال فقط.. لأن مصاريف التشغيل تكون فى الألف مصنع أضعاف المصنع الواحد.. فالثابت أن الاستثمارات الكبرى هى الحل الأمثل والوحيد لنهوض أى بلد.
وأتذكر أن مصر كان بها عشرات الألوف من مصانع النسيج الصغيرة، بها مئات الألوف من الأنوال.. ولكن التطوير الحقيقى لهذه الصناعة بدأ مع عصر المصانع العملاقة، أى فكرة طلعت حرب باشا الذى تبنى إقامة مصانع عملاقة فى المحلة الكبرى وفى كفر الدوار.. ثم فى دمياط وميت غمر، وهى السياسة التى اعتمد عليها جمال عبدالناصر فى نشر المصانع فى ربوع مصر.. وهنا أقول إن المصانع العملاقة تتيح - بجانب التكاليف الكلية.. بل خفض سعر إنتاجها الكمى - تتيح تقديم خدمات أفضل للعاملين، منها إقامة المدن السكنية للعاملين، داخل منطقة المصانع، والمدارس والعيادات.. حتى النوادى كبرت أم صغرت، ويكفى أن المحلة الكبرى تحولت بفضل هذه النوعية من المصانع العملاقة إلى أن أصبحت - سكانياً وخدمياً وصحياً - أكبر من مدينة طنطا نفسها رغم أن طنطا هى العاصمة! وكذلك تحولت كفرالدوار من مجرد قرية إلى مدينة كبيرة، والفضل فى ذلك لوجود مصانع عملاقة بها، هى شركة مصر للغزل والنسيج الرفيع، وشركة صباغى البيضا.. وشركة مصر للحرير الصناعى، وأصبحت هذه - مع مصانع المحلة - أسماء صناعية عالمية، يعرفها العالم كله.. تماماً كما عرفنا وعرفوا مناطق مثل شبرا الخيمة، وحلوان، والسيوف بالإسكندرية.. وكذلك مصانع غزل النسيج الصوف مثل بوليتكس.. وستيا.. وأخرى مثل الشوربجى وسباهى وإسكو.. وهى مصانع طورت نفسها ودخلت عالم الملابس الجاهزة: صوفية، وحريرية.. وقطنية.. وهل ننسى: لينوه الشوربجى الشهير، الذى وجدته يوماً فى أكبر محال جنيف نجمة سويسرا المتلألئة!!
إن هذه القلاع العظيمة لو وجدت إدارة اقتصادية واعية لكانت أقدر على التحديث والتطوير.. والتغيير.. وكذلك قطاع الحديد والصلب.. ومصنع واحد كبير خير من 100 مصنع هى عبارة عن «مسابك» أو ورش حدادة وخراطة.. وربما بعض الأفران الصغيرة.. وكان عبدالناصر يفخر بمصنع الحديد والصلب فى منطقة التبين بحلوان، ويصر أن يضع زيارتها فى برنامج أى ضيف كبير لمصر.. وهى أم الصناعات المعدنية، ورحم الله د. عزيز صدقى ورجاله الكبار.
■ ■ نعم رقم العشرة آلاف مصنع يدغدغ الحواس.. يا سلام 1000 مصنع ولم نقل كم شخصاً يعمل بها.. ولكن يجب أن نسأل عن تكاليف الوحدة الإنتاجية، حتى لو كانت مجرد بيجامة.. وبالمناسبة فإن سر عظمة دول النمور الآسيوية هو هذا الإنتاج الكمى.. أو وحدات التجميع وهى سر العظمة الصناعية فى اليابان قديماً.. وسر عظمة الإنتاج الصينى الحالى.. وحتى بنجلاديش والملايو.
وتعالوا نُحْى عصر هذه المصانع العملاقة، التى تضيف ولا تهدم، ومصنع واحد أفضل من 1000 مصنع.
■ ■ حقاً.. كده.. أو العدد فى.. الليمون؟!