الجسر بين المؤامرة.. والضغوط السعودية.. والحل المصري! 2-2

محمد علي إبراهيم الأربعاء 20-04-2016 21:49

لم يكد المقال السابق يأخذ طريقه إلى قراء موقع «المصري اليوم» المحترمين إلا ولا حقتني الاتهامات.. زعموا أنني أدعو للتطبيع مع إسرائيل.. أو أتبنى موقف السعودية من جزيرتي تيران وصنافير.. ولماذا أدافع عن السعودية التي قتلت السوريين واللبنانيين واليمنيين و..... و..... و.....

الكتابة في هذا الموضوع شائكة وصعبة.. الحقائق فيها تغلفها السلطات بحجاب كثيف.. يرفضون إذاعة المعلومات.. في الوقت ذاته يتهمنا الرئيس أننا نستقي آراءنا من السوشيال ميديا.. ولا نبذل جهدًا.. لو قدمنا اجتهاداتنا، سينكرها الطرفان.. المصري والسعودي.. نحن ندمن التصريحات الرسمية.. والعبارات الإنشائية.. والبيانات المقتضبة.. نفترض أن الحقيقة دائما حكومية.. وما عداها تخريفات فيسبوكية.. أو تغريدات تخريفية.

المهم أنني بحثت قدر استطاعتي.. اجتهدت وأتصور أن لي أجرين.. لكننا هنا نرفض المجتهد، فهو مخطئ أو خائن.. على إية حال نبدأ من شهر يونيو 2015.. حيث أطلقت النيويورك تايمز الطلقة الأولى في افتتاحية لا تعرف كاتبها وإن كنت لا تخطئ إسرائيليته.. قالت الصحيفة التي تحظى بدعم اللوبي اليهودي بأمريكا إن اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل انتهت باتفاق الطرفين على دخول الجيش المصري لكل سيناء للقضاء على الإرهاب حسبما تنص بنود الاتفاقية.. أضافت الافتتاحية أن كامب ديفيد سقطت فعليا ولم يبق منها إلا جزر تيران والمضايق الواقعة في الجزء (ج) والمتواجد عليها قوات دولية.. قلت لنفسي إذن إسرائيل عينها على تيران.

موقع ديبيكا الإسرائيلي الشهير وثيق الصلة بالجيش الإسرائيلي زعم في يوليو 2015 أن مصر وإسرائيل ليستا في حاجة إلى قوات دولية من 12 دولة، خصوصا بعد انتشار الجيش المصري بكثافة في سيناء!! بعدها أشار موقع «والا» الإخباري الإسرائيلي في أغسطس 2015 إلى أن وجود القوات الدولية كان للتنسيق بين مصر وإسرائيل في المجال الأمني وذلك أثناء إخلاء سيناء من السلاح.. الآن ما لزوم القوات الدولية على تيران!! الصياغة التي خرج بها الخبر يُفهم منها أنه طالما فتحت إسرائيل الباب للجيش المصري في سيناء بأكملها.. فلماذا لا تتواجد على تيران!!

سُئِل السفير الأمريكي في تل أبيب عن رأيه فيما ذكره الموقع، فرد يوم 28 أغسطس 2015 قائلا «لا أفهم لماذا تحتاج مصر وإسرائيل قوات حفظ سلام الآن.. هذه القوات لا تزيد على ألفي جندي بتسليح متواضع جدا.. وأضاف أظن أن الوقت ملائم لانسحابهم».. أعتقد أن مصر شعرت بالخطر من التصريحات، خاصة أن المواقع الإسرائيلية أكدت أن القتال الشرس الدائر بين مصر و«داعش» يهدد هذه القوات بالفناء.. ولا بد أن يكون المضيق والجزر في أيد أمينة!!

طبعا الست أمينة هانم هي إسرائيل.. السيناريو أن تتقدم تل أبيب لمجلس الأمن بطلب للتواجد على الجزر والمضايق لحماية حرية الملاحة إليها، خاصة أنها المنفذ الوحيد للدولة العبرية.. طبعًا يوافق مجلس الأمن.. وإذا احتجت مصر سيقولون لنا «إنتوا في منتهى البجاحة.. أخذتم سيناء كلها.. وأسقطتم كامب ديفيد.. وتريدون محاصرة إسرائيل التي تساعدكم في الحرب ضد الإرهاب».. قلت لنفسي ياولاد الـ ...... الحكاية كده بقى!

أعتقد أن مصر كان معها حق في عدم إعلان التفاصيل حتى لا تغضب إسرائيل التي وافقت على إسقاط كامب ديفيد.. لكن كانت هناك طريقة لإطلاع الرأي العام بصورة غير مباشرة.. ما علينا!!

الجزء الثاني الهام.. هل الجزيرتان مصريتان أم سعوديتان.. أكذب لو قلت لك أعرف.. لكن بمراجعة كتب القانون الدولي البحري لمحمد طلعت غنيمي 1975 الصادر من منشأة المعارف والقانون البحري لعلي حسن يونس والقانون البحري الدولي الجديد لصلاح الدين عامر 1989 من دار النهضة العربية.. نجد أن المعيار الجغرافي يعطيهما للسعودية، لأنهما بارزتان من الجرف القاري أو العتبة القارية وهي نهاية قارة آسيا والجزر القريبة من الجرف تتبع الدولة التي ينتهي عندها الجرف (السعودية).

لكن على الجانب المقابل، هناك حيازة تاريخية منقوصة لمصر على الجزر.. وأيضا حيازة دولية.. دعك من المرسوم الملكي الصادر عام 1950 يطلب فيه الملك عبدالعزيز آل سعود من الملك فاروق حماية الجزيرتين.

هذا المرسوم لا أعترف به شخصيًا لأسباب ليس هنا مجال لذكرها.. بعد ذلك تم احتلال الجزر عام 1956 وانسحبت منها إسرائيل بعد الإنذار الأمريكي الروسي وتم احتلالهم 1967 وحررناهم بعد 1973.. هنا تسأل لماذا «طنشت» السعودية ولم تنتفض طلبا لأرضها المحتلة من المصريين.

في خرائط الأمم المتحدة لانسحاب إسرائيل 1974 بعد فك الاشتباكين الأول والثاني تم إيداع الجزيرتين ضمن المنطقة «ج» منزوعة السلاح وهذا يعني اعترافًا دوليًا بحيازتهما لمصر.

مصر «الذكية» أعلنت الجزيرتين محميتين طبيعيتين في اليونسكو، وهذا اعتراف دولي بهما.. بالإضافة إلى إنشاء نقطة شرطة تابعة لمديرية جنوب سيناء.. هنا تسأل إذا كانت السعودية صاحبة الجزيرتين.. لماذا لم تطالب بهما من 65 عامًا.. فمن الذي أطلق العفريت من المصباح؟!

اعتقادي أن هناك ضغوطًا من المجتمع الدولي والأمم المتحدة لإثارة موضوع الجزيرتين قبل ستة أعوام كما يقولون.. أما ترسيم الحدود البحرية الموقع من الرئيس مبارك عام 1990 فليست له علاقة بتيران ولا انتمائها للسعودية، وأرجو قراءته من جديد طبقًا للنص المنشور.

القانون البحري يقول إن لكل دولة الحق في ترسيم حدودها بالطريقة التي ترضاها.. (6 طرق).. في المفاوضات ظهر شقاق في وجهات النظر بين مصر والسعودية.. كل منهما تريد إثبات الملكية.. المملكة أصرت على ترسيم الحدود من فوق لتحت حتى يحصلوا على نقطة أساس أمام تيران.. وتمسكت مصر بأن يتم الترسيم من أسفل لأعلى حتى ندفع السعودية للاعتراف بأن حدودنا الجنوبية تبدأ من خط عرض 22 مع السودان.. المهم تمسك كل طرف بموقفه اعتبارًا من 2010 حتى الآن.. لا الشعب عرف عن المفاوضات.. ولا الحكومة أعلنت.. وكالعادة تنتهي المفاوضات.. وترفع التقارير لخادم الحرمين والقيادة المصرية (مرسي وعدلي منصور ثم السيسي) وبقي الحال على ما هو عليه.

حجة السعودية التي لم يتطرق إليها أحد هي تصريح بطرس غالي، وزير الدولة للشؤون الخارجية بملكية السعودية للجزيرتين، ويبدو أنه كان في إطار مساومة على إعطائه أصوات العالم الإسلامي عند ترشحه أمينا عاما للأمم المتحدة عام 1993.. هذا ما يدور في الكواليس.. قد يكون ما قاله لي بعض المسؤولين الذين تخوفوا من ذكر اسمائهم صحيحا وقد لا يكون.. لكن الحقيقة دائما لها ألف وجه.

لكن فجأة أظهرت المملكة ورقة ضغط جديدة.. قررت التنقيب عن البترول طبقًا لاتفاق مع السودان في المنطقة فوق خط عرض 22 حتى أسفل.. أي أمام مثلث حلايب.. اعترضت مصر.. ورفضت السعودية بدء ترسيم الحدود البحرية من خط عرض 22 لمزاعمها أنها منطقة متنازع عليها مع السودان وطلبت تأجيل المفاوضات مع مصر لحين انتهاء النزاع «المصري- السوداني».

عادت المفاوضات مع إصرار سعودي على الترسيم من فوق لتحت أو من أعلى لأسفل.. لماذا كانت السعودية تضغط علينا؟ الله أعلم.. لماذا تشددت مؤخرًا؟ أيضا الله أعلم.. المهم مصر اجتهدت وتوصلت لمشروع الجسر كحل وسط يربط الرياض بسيناء ويمر فوق الجزيرتين ويتم إعلان تيران وصنافير مناطق حرة ذات ربحية مشتركة للدولتين وتعزز السيطرة المصرية والعربية على مدخل الخليج.. «أكرر السيطرة العربية».

بعيدًا عن الهري.. وكما قلت سابقًا لا أعلم إن كانت الجزيرتان سعوديتين أم مصريتين، لكن الذي أعلمه أن إنشاء الجسر جعل ترسيم الحدود كما كانت تريد مصر أي من تحت لفوق لأن الجسر لابد أن يكون تحت الحماية العسكرية المصرية وتخرج مصر نهائيًا من التزام كامب ديفيد.

وهو أول جسر يربط آسيا وأفريقيا بعد 71 عامًا منذ احتلال إسرائيل لفلسطين، وسيدر علينا ربحًا خياليًا من مرور البضائع من شرق التفريعة بمصر إلى البحرين والإمارات وعمان والمنطقة الشرقية بالسعودية.. وسيظل سؤالا واحدا بلا إجابة.. من الذي أطلق العفريت من المصباح في هذا التوقيت بالذات! الإجابة ليست عند مصر بالتأكيد.

في النهاية.. أقول إن هذا اجتهاد بعيد عن «الفيس بوك» والبيانات الرسمية والمجاملات والملاسنات ومآدب العشاء والأحضان.. حفظ الله مصر وشعبها.. درع الأمة العربية مهما عايروا أو شككوا.