حالة من الجدل أثارتها جزيرتا تيران وصنافير، بعد إعلان مصر ترسيم الحدود البحرية مع السعودية بشأنها، مع تشديد الرئيس عبدالفتاح السيسي على أنهما سعوديتان، ودعوته إلى عدم الحديث مرة أخرى عن الموضوع، مشيراً إلى أن «البرلمان سيناقش الموضوع، وله أن يمرر اتفاقية تقسيم الحدود مع السعودية أو يرفضها».
الأمر دفع إلى تحريك المياه الراكدة في الشارع السياسي، سواء كان ذلك عبر برامج «التوك شو»، التي يتابعها المصريون ليلًا أو من خلال الصحف، التي يستقبلون عناوينها في الصباح، ليدلي كل شخص برأيه سواء بالقبول أو الرفض.
وكان من بين الآراء ظهور أصوات أبرز قيادات جبهة الإنقاذ الوطني، التي تشكلت في عهد الرئيس المعزول، محمد مرسي، في نوفمبر من عام 2012، بعد إصداره إعلانًا دستوريًا الذي حصَّن فيه قرارات الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور وعزل بموجبه، آنذاك، النائب العام، المستشار عبدالمجيد محمود.
وتوارت جبهة الإنقاذ الوطني عن الأنظار بعد عزل مرسي في 3 يوليو 2013 إلا أن أبرز قياداتها، وهم محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية السابق، وعمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، وحمدين صباحي، مؤسس التيار الشعبي المصري، كانوا حاضرين في أزمة جزيرتي تيران وصنافير.
البرادعي
في خضم الأزمة الخاصة بـ«تيران وصنافير» وسعي كل معسكر إلى تأييد وجهة نظره بشأن ملكية الجزيرتين، ظهر البرادعي ضمن أوراق الدفاع التي استعانت بها الحكومة المصرية للتأكيد على أنهما «سعوديتان»، حيث كشف مركز مجلس الوزراء للمعلومات ودعم اتخاذ القرار عن عدة وثائق، من بينها مقال لـ«البوب»، كما يهوى تسمية نفسه، في يوليو عام 1982 بعنوان «معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية والملاحة في خليج العقبة» منشور في «المجلة الأمريكية للقانون الدولي»، بصفته محاميًا دوليًا.
وذكر المركز التابع للحكومة المصرية أن البرادعي أكد في مقاله أن «جزيرتي تيران وصنافير تقعان تحت (الاحتلال المصري) منذ عام 1950 بينما تدّعي السعودية ملكيتهما، مؤكدة أنهما تقعان داخل المياه الإقليمية السعودية، في حين أن مضيق تيران الذى يقع بين الجزيرة وشاطئ سيناء هو واقع داخل المياه الإقليمية المصرية وهو الممر الحيوي الذي يستخدم في الملاحة».
بعد ساعات قليلة من البيان الحكومي، غرَّد البرادعي ليكشف عن موقفه من ملكية السعودية لـ«تيران وصنافير»، وكتب في حسابه على «تويتر»: «ما ذكرته عام ١٩٨٢ (تيران وصنافير تحت occupation بمفهوم الحيازة والسيطرة المصرية) منذ 1950، ولكن السعودية مازالت تدعي أنهما جزء من أراضيها»، مضيفًا: «لم أتعرض لمسألة الملكية التي تحسم طبقًا للوقائع والوثائق التاريخية والاحتكام للقانون الدولي».
ولم يكتف البرادعي بتغريدته المقتضبة بل زاد عليها بعد أيام معدودة بطرح حل لإنهاء الجدل المثار حول تيران وصنافير، مشددًا على أن «العلاقة بين السعودية ومصر وبين الشعبين أهم وأبقى من أن تتأثر بخلاف قانوني ناتج عن تفسيرات مختلفة للوقائع التاريخية والوثائق القانونية».
وكتب البرادعي: «بعيدًا عن السياسة والعواطف، قد يكون المخرج اتفاق البلدين على تشكيل لجنة تقصّي حقائق مستقلة من الخبراء تسميها جهة محايدة لتبدي الرأي القانوني».
واعتبر أن «هذا الرأي القانوني قد يُمكّن الطرفين من الاتفاق وإنهاء الجدل القائم»، خاتمًا بقوله: «هناك سوابق كثيرة وبدائل كثيرة».
موسى
تعامل مع تيران وصنافير بدبلوماسيته المعهودة فيما يتخذه من مواقف، مؤكدًا أنه لا شك عنده في أن مجلس النواب حين ينظر أمر الجزيرتين سيتخذ «قرارًا مناسبًا» في إطار الدستور.
ورصد موسى أخطاء أزمة تيران وصنافير ببيان أصدره عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، معتبرًا أن «إعلان التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المصرية السعودية كان مفاجئًا لعموم المصريين، ولا شك أن القائمين على التعامل الإعلامي مع هذه المسألة بالغة الحساسية قد أخطأوا في حساباتهم لردود فعل الرأي العام المصري لما يقال عن الاتفاقية التي لم تنشر نصوصها بعد، ومن ثمّ دارت شائعات كثيرة عنها أدت إلى بلبلة كبيرة».
وجاء تعليق موسى بعد ساعات من لقاء السيسي عددًا من ممثلي الشعب للحديث بشأن الجزيرتين، حيث قال الرئيس إنه استشار الجيش والمخابرات ووزارة الخارجية في قضية الحدود، والجميع وافق، وإن الدولة لم تفرط فى ذرة رمل واحدة ولم تبع أرضها لأحد، مضيفًا: «موضوع تقسيم الحدود لم يتم تداوله من قبل حتى لا نؤذي الرأي العام في البلدين، ولم نخرج عن قرار جمهوري في 1990 تم إيداعه لدى الأمم المتحدة، استجابة لمطالب السعودية باستعادة الجزيرتين».
وقال موسى إن «افتراض البعض أن اتفاقية (تيران وصنافير) سوف تتوه في زحمة الأحداث والاتفاقيات يمثل خطأ آخر في فهم الرأي العام المصري، وتقدير اهتماماته وردود أفعاله، وأنه مهما كانت المسوغات القانونية والدبلوماسية والسياسية للاتفاقية، فإن الجزء المهم المتعلق بإطلاع الرأي العام جرى بطريقة أثارت الكثير من التساؤلات السلبية أدت الى الكثير من الاجتهادات والتخمينات والافتراضات».
وشدد موسى على أن «استغلال الموضوع لنشر الاضطراب في الساحة المصرية وكذلك لإشعال أو تغذية خلاف بين البلدين والشعبين الشقيقين، هو أمر غير مقبول ويؤدي إلى الإضرار بالعلاقة المحورية المصرية - السعودية في وقت دقيق ومؤثر في مستقبل العالم العربي كله واستقراره».
موسى، الذي كان رئيسًا للجنة الخمسين التي أعدت صياغة الدستور المصري، طالب الشعب بالاصطفاف لـ«إحقاق الحقوق وصيانة الأمن القومي المصري والعربي سوياً».
وقال: «إن الدستور المصري واضحٌ في مواده، صريح في حمايته لمصر وكل حقوقها، ومنظم لعقد الاتفاقيات الدولية وإجراءاتها، بما يدرأ أي مخاوف، ويطرح الأمر على الشعب من خلال مجلس النواب، وضرورة موافقته على ما يبرم من اتفاقيات ومعاهدات، علماً بأن هذا الإبرام هو من سلطة رئيس الدولة، الذي (يبرم ثم يحيل) إلى البرلمان، ويرجع في ذلك بصفة خاصة إلى المادة 151 من الدستور».
وتنص المادة 151 من الدستور، الذي تم إقراره بنسبة 98.1%، على أن «يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور. ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة. وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أي معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة».
وتمنى موسى أن يخاطب السيسي مجلس النواب بشان الاتفاقيات التي وقَّعها خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، إلى مصر.
وأوضح موسى: «كم أتمنى أن يخاطب السيد رئيس الجمهورية مجلس النواب في صدد الاتفاقيات التي جرى توقيعها، خاصة تلك المتعلقة بترسيم الحدود البحرية، عارضاً أمامه نص الاتفاقيات ومختلف الوثائق والأوراق ذات الثقل التاريخي، والتي على أساسها اتخذ قراره الخاص بعقد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية على طولها بين الدولتين الشقيقتين»، معولًا على مجلس النواب اتخاذ «قرار مناسب يدعم مصر وسلامتها، والدولة وأمنها، والعلاقة المصرية السعودية ومحوريتها».
صباحي
بكلمة «مهينة»، وصف صباحي اتفاقية ترسيم الحدود المصرية بين مصر والسعودية في حسابه على «فيس بوك»، قائلًا: «نحن لا نفرط فقط في الأرض والكرامة والأمن، بل نفرط في المصالح الاقتصادية.. نفرط في قناة السويس، وما أدراك ما قناة السويس».
واعتبر صباحي أن الخلاف حول ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية ليس «صراعًا على الحكم»، موضحًا: «ننبه إخوتنا في الوطن الذين يوافقون السلطة لأنهم مازالوا يثقون فيها أن الصراع الآن ليس على سلطة أو حكم أو نفوذ بين المصريين، وهو أيضًا ليس صراعًا مع إخوتنا شعب السعودية الشقيق، بل هو صراع بين مصر كلها وبين العدو الصهيوني، إنه صراع بين قناة السويس المصرية وقناة البحار الصهيونية»، مشددًا بقوله: «إما أن تكون مع مصر والعروبة وقناة السويس المصرية، أو تكون مع العدو الصهيوني وقناة البحار الصهيونية».
ودلل صباحي على كلامه قائلًا: «لاحظ فرق المسافة على الخريطة بين البحر الميت والبحر المتوسط، وهي أقصر منها بينه وبين خليج العقبة وأبعد عن حدود مصر وفلسطين، وهذا هو المسار المرجح لقناة البحار وهي مشروع صهيونى قديم إذا تحقق فقدت قناة السويس أهميتها الاستراتيجية، وفقدنا عائدها وأثرها الاستراتيجي».
وواصل سرد رأيه: «لكن قناة البحار الصهيونية لا قيمة لها مهما أنفقوا من مليارات مادام الوصول إليها مستحيلًا إلا عبر ممر واحد فقط هو مضيق تيران، وهو ممر ملاحي مصري تمامًا لأنه يقع داخل إقليم الدولة المصرية بين سيناء المصرية وتيران المصرية، رغم ما ذكرته نصوص كامب ديفيد من وصفه بالممر الدولي لأن عبوره يبقى مشروطًا بالعبور الآمن البريء، وبالقطع سيكون تشغيل قناة البحار الصهيونية وضرب قناة السويس المصرية وتحويلها إلى حمام سباحة ونزع أهميتها استراتيجيًا وتضييع عائدها، هو خسارة فادحة لاقتصاد مصر وضربة موجعة لأمنها القومي».
صباحي، الذي خسر معركة الانتخابات الرئاسية أمام السيسي، عام 2014، أعلن في بيان جاء بتوقيع عدد من الشخصيات والأحزاب السياسية عن دهشته من القرار «المفاجئ» الذي صدر بحبس 25 «من الشباب الوطني الحر» لمدة 4 أيام لتظاهرهم فيما عُرف إعلاميًا بـ«جمعة الأرض»، مشيدًا باحتجاجهم «ضد التفريط في جزء من أرض الوطن».
وفي نفس يوم مبادرة البرادعي لحل الجدل المثار حول تيران وصنافير، تقدم عصام الإسلامبولي المحامى، وكيلًا عن صباحي، بدعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري اختصم فيها السيسي، ورئيس مجلس الوزراء، يطالب فيها بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية.
وانضمت 7 شخصيات إلى صباحي في دعواه، التي قال فيها إن الجزيرتين من الحقوق الوطنية التي تم إثباتها بالعديد من الوثائق والمستندات، والتي لا يمكن بأى حال من الأحوال المساس بها حسب الدستور.
وتضمنت الدعوى وثائق ومستندات قال صباحي إنها تثبت حق مصر فى ملكية الجزيرتين، وطلب بصفة عاجلة وقف تنفيذ الاتفاقية.