من كثرة المناهدة فى كل شىء.. فى كل كبيرة وصغيرة.. أى من أول قضايا الوطنية والشرف والأرض والعرض والقانون الدولى، وقواعد ترسيم وتحديد الحدود، وتوسيع كامب ديفيد إلى آخر ملمح وجه ظهر على وجه رئيس الجمهورية وهو يتحدث، وحكاية المواطن المحصور، الذى احتاج الذهاب للحمام.. وأمور أخرى كلها تتجاوز «المناهدة» إلى العكننة الدائمة، وجدت لدى حنينًا جارفًا للاستماع إلى الكلمات والألحان التى طالما وقفنا نرددها بحماس وتدفق يأخذ بألبابنا حتى تدمع عيوننا!
الحنين.. كلمة سهلة لكنها جامعة مانعة، لم أجد لها مرادفًا يحمل معناها أو يحتمل مداها، إذ هى مشتركة بين كل ممالك الوجود من إنسان وحيوان ونبات وجماد، وفيها الأمل والألم والحب والود.. وقل ما شئت مما ليس منه بد..
وجدتنى متواجدًاـ من الوجد ـ مع «مصطفى صادق الرافعى» ومع «صفر على» وأردد:
«اسلمى يا مصر إننى الفدا/ ذى يدى إن مدت الدنيا يدا/ أبدا لن تستكينى أبدا/ إننى أرجو مع اليوم غدا/ ومعى قلبى وعزمى للجهاد/ ولقلبى أنت بعد الدين دين/ لك يا مصر السلامة/ وسلاما يا بلادى/ إن رمى الدهر سهامه/ أتقيها بفؤادى/ واسلمى فى كل حين».
ثم أسلم قلبى وعقلى ونفسى للعبقرى رياض السنباطى، الذى لم يأخذ حقه فيما أعتقد حتى الآن، وهو الذى لحن لحافظ إبراهيم، ولتشدو الست بمصر تتحدث عن نفسها.. ولحن لرامى وللست أيضًا «مصر التى فى خاطرى»، ثم لحن لعبد الفتاح مصطفى وللست كذلك «طوف وشوف».. ولحن لبيرم التونسى وللست أم كلثوم شمس الأصيل!!
فى «مصر تتحدث عن نفسها» نسمع الجمل الأولى الخالدة:
«وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبنى قواعد المجد وحدى
وبناة الأهرام فى سالف الدهر كفونى الكلام عند التحدى
أنا تاج العلاء فى مفرق الشرق ودراته فرائد عقدى
إن مجدى فى الأوليات عريق من له مثل أولياتى ومجدى
أنا إن قدر الإله مماتى لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى
ما رمانى رام وراح سليما من قديم عناية الله جندى».
وبعد حافظ يأتى رامى الذى صاغ سلسلة الجواهر الفريدة التى أخذت كل الألباب:
«مصر التى فى خاطرى وفى فمى
أحبها من كل روحى ودمى
يا ليت كل مؤمن بعزها يحبها حبى لها
بنى الحمى والوطن من منكم يحبها حبى لها».
■■■
واسمعوا معى ذروة الوجد فى شدو الست:
«لا تبخلوا بمائها على ظمى وأطعموا من خيرها كل فم
أحبها للموقف الجليل من شعبها وجيشها النبيل
دعا إلى حق الحياة لكل من فى أرضها
وثار فى وجه الطغاة مناديا بحقها
وقال فى تاريخه المجيد يا دولة الظلم انمحى وبيدى
صونوا حماها وانصروا من يحتمى
ودافعوا عنها تعش وتسلم
يا مصر يا مهد الرخاء يا منزل الروح الأمين
إنا على عهد الوفاء فى نصرة الحق المبين».
ومن «طوف وشوف» إلى «شمس الأصيل»، نحن أمام لوحة إلهية لا يبدعها إلا خالق معصوم من أن ترى فى خلقه تفاوتا.. نحن أمام طبيعة مصر:
«طوف بجنة ربنا ببلادنا واتفرج وشوف
ضفتين بيقولوا أهلا والنخيل شامخ صفوف
وابتسامة شمسنا أجمل تحية للضيوف
والنسيم يرقص بموج النيل على الناى والدفوف
■■■■
والجنود اللى بيحموا مجدنا من كل عادى
الصفوف اللى يبنوا بعزمهم نهضة بلادى
اللى خطوتهم تبوسها أرضنا وتقول ولادى
نادوا بالحرية قام الشعب واتحدى المحال
والأمل أصبح عمل والخيال أصبح نضال
هى دى ثورة بلادى اللى حققها جمال».
ومن نيل عبدالفتاح مصطفى إلى نيل بيرم:
«شمس الأصيل دهبت خوص النخيل يا نيل
تحفة ومتصورة فى صفحتك يا جميل
والناى على الشط غنى والقدود بتميل
على هبوب الهوا لما يمر عليل!!».
بعدها يطمئن الوجدان بالتواجد مع واسطة العقد الفريد.. مع كلمات يونس القاضى ولحن سيد درويش الذى أعاد توزيعه محمد عبدالوهاب:
«بلادى بلادى بلادى
لك حبى وفؤادى
مصر يا أم البلاد
أنت غايتى والمراد
وعلى كل العباد
كم لنيلك من أيادى
مصر يا أرض النعيم
فزت بالمجد القديم
مقصدى دفع الغريم
وعلى الله اعتمادى
مصر أنت أغلى درة
فوق جبين الدهر غرة
يا بلادى عيشى حرة
واسلمى رغم الأعادى».
أظن كفاية مناهدة وتحطيم فى كل شىء، وكفاية قبح فى قبح مساء صباح، وتعالوا نتواجد ونتمايل وننتشِ.
a_algammal@yahoo.co.uk