أخطاء وخطايا الجدال حول الجزيرتين (١-٢)

ضياء رشوان الثلاثاء 19-04-2016 21:27

عكَس الجدال، بل الصراع، الدائر حتى اللحظة حول قضية جزيرتى تيران وصنافير، عمق أزمة الأداء التى تمر بها مصر الآن، سواء على مستوى النخبة أو مستوى الحكم. ورصد مظاهر هذه الأزمة على الجانبين لا يعنى تساويهما فى أخطاء التناول، كما أنه لا ينصرف إلى الحكم على صحة أى من الموقفين المتعارضين من الأحقية فى الجزيرتين، وهل هما لمصر أم للسعودية، ولا الانحياز لأى منهما. الأمر يتعلق فقط بمنهج التعامل مع تلك الأزمة من الفريقين المعارض والمؤيد للاتفاق المصرى السعودى بشأن الجزيرتين، والذى شابته أخطاء عديدة بعضها يصل إلى حد الخطايا.

ولتكن البداية بأخطاء الحكم لأنه هو الذى فجر هذه القضية. أول الأخطاء هو توقيت الإعلان عن الاتفاقية مع المملكة العربية السعودية بشأن الجزيرتين، ووضعها ضمن اتفاقيات أخرى كلها ذات طابع اقتصادى ومالى تتضمن مساندة سعودية لمصر على هذين الصعيدين، الأمر الذى وفر مادة ومناخاً ملائمين لكل مَن يرغب فى تقديم الأمر باعتباره «مقايضة» أو «صفقة» جرى فيها تبادل الأرض مع الدعم الاقتصادى والمالى، فموضوع هذه الاتفاقية ليس دارجاً ولا متكرراً، بحيث كان متصوراً ألا يثير من الحوار أو الجدال أو الخلاف بالطريقة التى جرى بها، فقد كانت تستحق أن يُفرد سياق منفرد لها، بحيث لا تختلط بغيرها من الاتفاقيات «الطبيعية والعادية» الأخرى، ويجرى حولها حوار جاد ومسؤول يتناسب مع أهميتها.

وفى هذا السياق، يأتى خطأ مقابل من المعارضين للاتفاقية، وهو القول بضرورة قيام الحكم بطرح موضوع الجزيرتين للحوار العام حوله قبل القيام بتوقيع الاتفاقية، حتى تتسنى معرفة الرأى الغالب للمصريين بشأنها قبل هذا التوقيع، فالحقيقة أن المادة 151 من دستور البلاد تحدد ثلاث مراحل للتعامل مع الاتفاقيات الدولية، أولاها: إبرامها، أى كتابتها، وهى فى هذه المرحلة حق مطلق للسلطة التنفيذية، ولكنها لا تتعدى كونها مشروعاً هو بذاته الذى يبدأ الحوار العام حوله بعد إعلانه، وهنا تأتى المرحلة الثانية، وهى ليست فقط فتح باب الحوار العام حول الاتفاقية- المشروع، بل اتخاذ القرار النهائى والوحيد بشأنها إما من مجلس النواب أو من الشعب إذا استُفتى عليها، ثم تأتى المرحلة الثالثة وهى التصديق على الاتفاقية من رئيس الجمهورية إذا تمت الموافقة عليها فى المرحلة الثانية، وهى لا تصبح نافذة إلا إذا تم تبادل هذا التصديق مع تصديق الدولة الطرف الآخر فيها. والحقيقة أن الحكم قد اتبع هذه المراحل الثلاث التى فرضها الدستور بصورة تامة، وهو هنا أيضاً لم يخرج عما جرى به الأمر بخصوص اتفاقيات مشابهة لدى حكومات دول أخرى فى عديد من مناطق العالم كانت دوماً تطرح هذه الاتفاقيات للحوار العام بعد كتابتها وليس أثناء التفكير فيها أو التفاوض حولها.

وهنا يظهر الخطأ التالى للحكم- والمستمر حتى كتابة هذه السطور- وهو عدم نشر النصوص الرسمية للاتفاقية ومعها الوثائق والمستندات التى قامت عليها بمختلف الوسائل الممكنة، حتى يتسنى للرأى العام بمختلف فئاته ونخبه إجراء حوار جاد وموضوعى حولها. وقد ساهم هذا الغياب فى مضاعفة أخطاء المعارضين للاتفاقية- المشروع منذ بدء الجدال حولها، والتى يُعد الأهم والأبرز منها هو التعامل مع الموضوع برمته من جانب كثيرين منهم باعتباره حلقة جديدة ورئيسية فى رفض أو معارضة الحكم الحالى فى البلاد، تستحق منهم موقفاً حاداً فى رفضها كرمز أو تأكيد لهذا الرفض أو المعارضة العامين له، فقد تعجلت الغالبية من هؤلاء، ليس فقط رفض الاتفاقية- المشروع، بل رأى البعض منهم فيها بيعاً أو تنازلاً من الحكم لقطعة من أرض الوطن، قبل أن يعلن متخصص أو خبير واحد فى موضوعاتها المتشابكة آراءه فيها. لقد عوملت الاتفاقية- المشروع من جانب كثير من معارضيها وبعض مؤيديها من النخبة والجمهور، ليست كمسألة تستدعى قبل كل شىء آراء وأحكام مثل هؤلاء الخبراء والمتخصصين فى موضوعاتها المعقدة، بل كقضية خلافية عامة مع الحكم واضحة المعالم، بما يبيح إصدار الحكم واتخاذ الموقف بشأنها دون حاجة لأى شىء من هذا. ولم يكتف معظم المعارضين وقليل من المؤيدين فى تبنى الرأى أو اتخاذ الموقف من الاتفاقية- المشروع بالاستغناء عن الآراء الواجب الاستماع لها من الخبراء والمتخصصين فى مختلف أبعادها من فروع القانون الدولى العام والتاريخ والجغرافيا ورسم الحدود البحرية والعسكرية، بل تحول كثير منهم فى بضع ساعات أو أيام إلى خبراء ومتخصصين فى بعض هذه العلوم أو كلها عبر مطالعات سريعة أو نقل عشوائى عن آخرين غير متخصصين من خلال شبكة الإنترنت، لكى يبرهنوا على صحة موقفهم الذى تبنوه منذ الدقائق الأولى لإعلان الاتفاقية.

diaarashwan@gmail.com