ضمير الفيسبوك

عبد الناصر سلامة الثلاثاء 19-04-2016 21:31

توقفت كثيراً أمام جملة على الفيسبوك، كتبها الأستاذ الثائر إبراهيم خالد، جاء فيها (صفحتك على الفيسبوك هى جزء كبير من صحيفتك التى ستلقى بها ربك يوم القيامة، شوف بقى هاتقابل ربنا وإنت كاتب إيه)، أعتقد أن الأغلبية من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعى لا يدركون هذه الحقيقة، كما نسبة كبيرة من الكُتاب والإعلاميين أيضاً، الفارق هو أن الصحفيين أو الإعلاميين هذه هى مهنتهم، فربما هناك الكثيرون منهم يعلمون أنهم يجب أن يتقوا الله فى أداء عملهم، وإن لم يفعلوا، أما رواد مواقع التواصل فيتعامل معظمهم مع الوضع على أنه من أمور التسلية، أو استهلاك الوقت، لا أكثر ولا أقل.

فى ديننا هناك الكثير من الذنوب التى يمكن غفرانها، إلا الكذب والنفاق «المؤمن لا يكون كذاباً»، «وهل يكُب الناس على وجوههم فى النار إلا حصائد ألسنتهم»، «أمسك عليك لسانك»، «آية المنافق ثلاث.. وإذا حدث كذب»، «إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار»، وهكذا كانت الأحكام الفقهية، والتحذيرات القرآنية، والتنبيهات النبوية واضحة، لا لبس فيها، إلا أنها الغفلة، التى جعلت الانحياز لشخص ما، أو لفكرة ما، أو أيديولوجية ما، ربما تتقدم على الأوامر الإلٰهية، لدى ضعاف الإيمان بصفة خاصة.

للأسف لم تأخذ هذه القضية حقها زمانياً، ولا مكانيًّا فى حياتنا على قدرها الذى يجب أن يكون، لا المناهج الدراسية، ولا الخطب الوعظية، ولا البرامج التليفزيونية، ولا كتابات المُنظرين، على العكس، حتى قسم اليمين أصبح عرضة للنقض والإخلال، كل المسؤولين الذين خانوا الأمانة أدوا قسم اليمين قبل تنصيبهم، كل الوزراء، كل القضاة، كل الأطباء، كل المحامين، معظم الإعلاميين، بالطبع رؤساء الجمهوريات، مع ذلك نقضوا اليمين، كذبوا على شعوبهم ومواطنيهم، وعلى بعضهم البعض.

بالتالى كان المواطن، أو الموظف البسيط كذلك، إعمالاً لنظرية رأس السمكة، أو إذا كان رب البيت بالدُف ضارباً، أصبحت الحالة مرَضية، طبيعة مجتمع، الانقسام الحاصل هذه الأيام يؤكد هذه الظاهرة، المؤيدون والمعارضون على السواء، من ليس معنا فليس منا، معنا على طول الخط، معنا ونحن نكذب، معنا ونحن نسرق، معنا ونحن ننافق، لم يتوقف الأمر عند تعطيل العقل، بل تجاوزه إلى تعطيل الضمير، أصبح هو الآخر فى إجازة مفتوحة.

فى سالف الزمان، كانوا يقولون «فى الصراحة راحة»، فى العصر الحديث يتم الترويج لقاعدة غريبة جداً «عيش جبان، تموت مستور»، لا داعى إذن للمشاركة بالرأى، لا داعى لقول الحق، لا داعى للمجاهرة بالصدق إذا كان ذلك يمكن أن يُفسد عليك حياتك، بالتالى أصبحت كلمة الحق غريبة، أصبح صاحبها نشازاً، توارت أمام ضجيج الأصوات العالية، ربما أمام صفاقة الأصوات العالية، ربما أمام عمليات البطش والتنكيل، وما أكثرها فى المرحلة الراهنة.

هذا التنبيه الخاص بأهمية صدق صفحات مواقع التواصل الاجتماعى، إذا توقفنا أمامه سوف نجد أنه يجب أن يلقى بظلاله على كل مناحى حياتنا اليومية، فى العلاقات الخاصة، كما فى العلاقات الأُسرية، كما فى علاقات العمل، كما فى الاستشارات، كما فى إبداء الرأى بشكل عام، ليست هناك كذبة بيضاء وأخرى سوداء كما هو مُشاع، بل ليست هناك منطقة رمادية فى هذا الشأن، كلمة واحدة قد تودى بصاحبها فى النار أربعين خريفاً، هكذا يجب أن نُعلِّم أبناءنا أصول دينهم، هكذا بناء المجتمعات.

الغريب أن أحداً لم يعد يطلب ذلك من وسائل الإعلام التقليدية، الكذب أصبح عادة، كما النفاق أصبح عبادة، بدا أن الحالة دخلت مرحلة اليأس، لم يعد القارئ أو المشاهد يعوِّل كثيراً على تغيير هذه الحالة أو تلك، أصبح يراها معتقَداً أو مرضاً لا يُرجى شفاؤه، طالت حتى أصحاب العمائم، أصابت حتى من كانوا يجب أن يكونوا القدوة، لم نعد نستمع إليهم، بل لم نعد نثق بهم، رغم ذلك هم مفروضون علينا، على المنابر تارة، وفى السرادقات تارة أخرى، كما أصحاب البرامج ومساحات الرأى سواء بسواء.

لم يعد الأمر أيها السادة يقتصر على السياسيين، أو أولى الأمر الذين يعتبرون أن المراوغة من فنون الحكم، أو أن الخداع من فنون السياسة، لم نعد نسمع أحدهم يردد أن الصدق هو أقصر الطرق إلى النجاة، أو حتى إلى القلب، أو حتى إلى العقل، لم يُذكِّرهم أحد بأن «الرجل لايزال يكذب حتى يُكتب عند الله كذابا»، لم يذكرهم أحد بأنه لا يمكن خداع الناس كل الوقت، بالتالى نشأت الرعية على هذه الحالة، التى أصبح الفيسبوك نموذجاً صارخاً لها، الولاء للأفراد، دون اعتبار لخالق الأفراد، سوف أتذكر هنا قول الله تعالى (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم) صدق الله العظيم.