متأثرة بالأفلام قالت لى سيدة إن قضية الجزيرتين تشبه ما حدث لـ«عبدالحليم حافظ» فى فيلم «الخطايا»، الذى فاجأه «عماد حمدى» بمصارحته أنه ليس أباه، فلسنوات طويلة بدت جزيرتا تيران وصنافير وكأنهما مصريتان إلى أن جاءت مفاجأة الإعلان أنهما سعوديتان، وهو تشبيه يبدو قاسياً، ولكن ربما لا يبتعد كثيراً عن الواقع!
ورغم محاولة الرئيس السيسى تبرير التعتيم على المفاوضات التى كانت تجرى سراً بين البلدين حول هذا الموضوع منذ سنوات ومن أيام حسنى مبارك، إلا أن ذلك لا ينفى أنه لو جرى وضع الشعب فى الصورة طوال الفترة الماضية لكانت آثار ذلك أقل كثيراً من الأزمة التى تواجهها مصر واستغلتها قوى الشر لإحداث فتنة بين الشعب وقيادته وبين الشعب والشعب، مما ترك للأزمة التى عشناها جوانب مضيئة وأخرى معتمة، منها ما يلى:
من الجوانب المضيئة انتفاضة الشعب للمفاجأة التى تلقاها بعدم مصرية الجزيرتين وتصوره أن الرئيس السيسى، رداً على كرم الملك السعودى ومساعداته التى لا ينكرها أحد، قد تنازل للمملكة عن الجزيرتين. وللأمانة يجب التفريق بين فريقين غاضبين. فريق لا يعرف أساساً معنى الوطن ويضم الإخوان الذين قال مرشدهم عندما كان فى السلطة «طز فى مصر» وكانوا ـ خلال حكم محمد مرسى ـ على وشك التوصل إلى اتفاق باركته أمريكا يقضى بالتنازل عن جزء من سيناء لإنهاء القضية الفلسطينية، إلى أن جاء 30 يونيو وقوّض مشروعهم، مما أفقد الأمريكان منذ ذلك الوقت وإلى اليوم عقولهم من الرئيس السيسى.
والفريق الغاضب الثانى هم المصريون البسطاء الذين ركزت عليهم قوى الشر حملاتها وانتفضوا غاضبين لأنهم تحت حملات الشر صدقوا أن الرئيس السيسى- على حد وصف أحدهم- «عواد باع أرضه». وهذا الإحساس فى حد ذاته ظاهرة صحية وإيجابية تؤكد قدر إحساس المواطن المصرى بقيمة أرضه وعدم التنازل عنها مهما كانت المغريات.
أيضاً من الجوانب المضيئة الكشف عن الجهود الضخمة التى قامت بها أجهزة كثيرة فى الدولة عملت مع السعودية فى ترسيم الحدود البحرية بين البلدين وأيضا دراسة كل الوثائق والمستندات التى تكشف عن ملكية الجزيرتين وقد أثبتت أنهما تتبعان السعودية. (من الذين سألوا فى هذا الموضوع الرئيس الأسبق حسنى مبارك الذى ذكر لأحد زائريه أن مسؤولاً حالياً زاره فى المستشفى وسأله عن معلوماته عن الجزيرتين فأكد له أنهما سعوديتان).
من الجوانب المضيئة أيضا مساحة الحرية التى جرت بها مناقشة القضية فى مختلف القنوات وإن كانت قد جمعت بين أصحاب النوايا الشريرة والطيبة وزادت بطريقة اعتبر بعض المعارضين أنفسهم أساتذة وخبراء فى امتلاك الحقيقة ولا أحد غيرهم يمتلكها، وأنهم بذلك الوطنيون الذين يخافون على وطنهم، بينما غيرهم خونة. وفى هذا المفهوم قرأت لكاتب أحترمه استغرابه لقيام بعض الكتاب المصريين «بالدفاع عن حق السعوديين فى الجزيرتين» قاصداً أن هؤلاء الكتاب خلعوا مصريتهم وتحولوا إلى سعوديين، ولم يفكر لحظة أن القوة والشجاعة الحقيقية أن تدافع عن الحقيقة.
كما قرأت لكاتب آخر على موقعه مقالاً عاطفياً من ثمانى نقاط كلها دروس فى الوطنية والحفاظ على الوطن وكيف حافظت مصر على حدودها عبر التاريخ ولكن دون أن يقدم دليلاً أو وثيقة واحدة أو أساساً واحداً يدلل به على مصرية الجزيرتين. وفى القضايا الجنائية قد يكون الجانب العاطفى له تأثيره على القضاة، أما فى القضايا المدنية وقضايا القانون الدولى فلا مكان للعواطف وإنما للأسانيد والمستندات. ولو كان على العواطف لذهبت طابا إلى إسرائيل على أساس أنها مجرد كيلومتر لا يضيف كثيرا إلى مصر التى استردت 62 ألف كيلومتر هى مساحة سيناء، بينما إسرائيل يا عينى مساحتها صغيرة. ولهذا قد يكون مفيدا أن يعلن من لديه وثيقة واحدة حول الجزيرتين وثيقته، أما قصائد الوطنية والشعارات الحنجورية فليؤيد بها هذه الوثائق!
بقى قول إن الجانب المعتم فى القضية تجاهل الأجهزة المسؤولة تقديم المعلومات الضرورية عن القضية طوال السنوات الماضية رغم أنه كانت هناك اتصالات تجرى ومفاوضات بين الجانبين السعودى والمصرى، ولو جرى ذلك لتفادينا العاصفة التى تجمعت رياحها فجأة وعشناها الأيام الأخيرة، ولكانت توزعت على السنوات التى مضت دون أن يفاجأ الشعب كما فوجئ عبدالحليم بعماد حمدى يقول له: أنا مش أبوك!