ما يزيد على ٥٠٠ مليون يورو إيرادات يحققها كل من نادى برشلونة، ونادى ريال مدريد كل عام، عشرة أندية فى العالم على الأقل تحقق هذا الرقم، الرعاة كُثُر، كما الإعلانات، كما بيع وشراء اللاعبين، كما حقوق بث البطولات، كما تذاكر دخول المباريات، تذاكر زيارة الأندية بصفة عامة، السائحون من كل بقاع العالم يقصدون هذه الزيارة قبل أى شىء آخر فى هذه الدولة أو تلك، نادى جالطة سراى فى تركيا أيضاً أصبح ضمن الأندية السياحية، لم تعد أندية بقدر ما أصبحت أهراماً، أو مزارات، أو آثاراً، أو وجهات ترفيهية وثقافية.
ثلث آثار العالم فى مصر لا يحقق أبداً هذا الرقم، لا تذاكر الزيارة، ولا برامج جذب السياح، ولا حتى التسول بمناطق الآثار، ولا عمليات النصب على السائحين، ولا عمليات بيع الأحجار المسروقة من الأهرام، قد تحققها تجارة الآثار المهربة إلى الخارج، قد يحققها التجار عديمو الضمير، وأعوانهم من مسؤولين وأمنيين، إلا أن خزينة الدولة، أو خزينة وزارة الآثار تظل خاوية، فى انتظار معونة من منظمة دولية للإصلاح والترميم، أو مبالغ زهيدة من ميزانية الدولة الزهيدة أصلاً.
السياحة الترفيهية لدينا لم تعد مجدية، لا الشمس، ولا الهواء، ولا الماء، ولا السياحة الثقافية أصبحت كذلك، مع التراجع الأمنى والكارثة تلو الأخرى تراجع الدخل السنوى من العملات الأجنبية عموماً، بالتالى كان انخفاض قيمة العملة المحلية، المزاج السياحى العالمى أصبح يتجه إلى مزارات جديدة، من بينها زيارة الأندية، ليست أنديتنا بالطبع، لقد أصبحت طاردة حتى لأعضائها، كيف بالوافد الخارجى، كان يمكن التسويق للنادى الأهلى فى هذا الإطار باعتباره نادى القرن، العكس هو الذى كان، وجد مقاومة داخلية، بل نحن نادى القرن، العملية تحولت إلى قرن فلفل، أو على الأكثر قرن غزال، لم نستطع الاستفادة حتى من الشهادة العالمية، هذه هى عادتنا.
النادى الواحد فى دولة مثل إسبانيا تحديداً، أصبح بمثابة هرم خوفو، بل الأهرام الثلاثة، سواء من حيث أعداد الزائرين سنوياً، أو من حيث عدد عشاق النادى، فى بلد يتجاوز عدد السياح فيه ٦٠ مليون شخص سنوياً، حدث ولا حرج عن الاهتمام العالمى بالبطولات الإسبانية، ومشاركاتهم الأوروبية والقارية، المقاهى المصرية، كما العالمية، كاملة العدد خلال مباريات برشلونة وريال مدريد بصفة خاصة، ما بالنا إذا كان لقاء القمة، الكلاسيكو، ولم لا، أسعار اللاعبين مجتمعة تصل إلى المليارات، معظم نجوم العالم، حتى الاستثناء، تتوجه أنظاره إلى إسبانيا، قد يكون إشبيلية أو أتليتك بيلباو، أو أى نادٍ آخر.
رعاية الأندية هناك تبدأ من طيران قطر والإمارات، ولا تنتهى عند المشروبات العالمية، وماركات الملابس الرياضية، ملحقات بمقار الأندية أصبحت أسواقاً عالمية، إنفاق السائح لا يتوقف عند تذكرة الدخول، سواء كان عشرة يورو أو أكثر، سوف تشترى تذكارات النادى، قميص ميسى، أو شورت رونالدو، أو حتى فوتبول نيمار، ما بالنا بسعر كرة القدم موقعة بيد زين الدين زيدان، هى تجارة، وسياحة، ورياضة، وثقافة، وترفيه، ومرح، وذكريات للأجيال المقبلة.
لقد عفى الزمن أيها السادة على الأفكار العقيمة، الأفكار البالية، الأفكار العفنة، ثقافة الرقص والآداب، ثقافة العرى والمجون، ثقافة السهر والعربدة، ثقافة اخطف واجرى، ثقافة الابتزاز والنصب، ثقافة حلب السائح، الهدف الأسمى لأى مزار سياحى عالمى هو عودة السائح مرة أخرى، هو قيامه بالترويج للمكان بنفسه، بين أصدقائه وذويه، سوف يوفر بذلك الكثير من الجهد والمال على البلد المضيف، هى دعاية مجانية، نتاج عقول على مستوى الألفية الثالثة.
الأندية الإسبانية جميعها فى طريقها إلى أن تكون أهراماً، على غرار هرمى برشلونة وريال مدريد، كذلك الأندية العالمية الكبرى، وما أكثرها، من إسبانيا حتى إيطاليا، مروراً بفرنسا وألمانيا وإنجلترا بالدرجة الأولى، ثقافة السياحة مع الرياضة فى قالب واحد، الثقافة الرياضية مع الترفيهية فى زيارة واحدة، نفقات باهظة على كل شىء، ومكاسب أكثر، شوارع تعج بالأجانب، وفنادق متخمة بالسائحين.
أعتقد أنه آن الأوان لكى نعيد النظر فى كل شىء حولنا، آن الأوان لنسف مستشارينا القدامى، تطهير العقول التى شاخت فى مواقعها، أطفالنا أصبحوا أسرى الدوريات الأوروبية، لم تعد تقنعهم البطولات المحلية، أنظار شبابنا أصبحت تتجه إلى الهجرة لدى أصحاب العقول النظيفة، بعضهم تلتهمه أسماك البحر المتوسط، إلا أن المحاولات لا تتوقف، مستمرة على مدار الساعة، للحاق بالأهرام الجديدة، حتى لو كان هرم زوسر، بالتأكيد مع زواسر أوروبا سيكون الوضع أفضل من خفرعات ومنقرعات مصر.