أتعجب كثيراً ممن يعيبون على الأداء الإعلامى للحكومة في قضية جزيرتى «تيران» و«صنافير». فمن حق كل فرد على أرض «المحروسة» أن يقف متفاخراً ويتباهى بأن حكومة بلاده تمتلك جهازاً إعلامياً خطيراً أقل ما يوصف به أنه جهاز «على ما تفرج»!
أستطيع أن أؤكد – وربما يتفق معى الكثيرون – أن كتائب الإخوان الإلكترونية، حققت أغلى وأهم انتصار في عمرها – غير المديد – عندما سلبت جهاز «على ما تفرج» أعز ما يملك، في وقت لم يعد يملك فيه أي شىء هو وحكومته. وألحقت هذه الكتائب به هزيمة نكراء في أهم معركة حقيقية لها على أرض الواقع «الافتراضى» في كوكب «النيوميديا»!
على مدى السنوات الماضية تلاعبت كتائب الإخوان الإلكترونية بعقول المصريين في معارك الإنترنت. ملأت الدنيا ضجيجاً وتشكيكاً وتحريضاً ضد كل أجهزة الدولة والأحزاب والنقابات والأندية، في حملات منظمة يقودها تنظيم دولى يجمع المعلومات بكل دقة، ويحللها ويوظفها ويروج لها بأسلوب محكم مستخدماً أرقى فنون ونظريات «الكذب والتضليل» ما بين الجد والهزل، والضحك والبكاء.. «كل شىء مدروووس ياباشا»!
كلنا نتذكر ما فعله الإخوان وكتائبهم الإلكترونية عقب ثورة يناير، عندما انتهجت هذه اللجان طريق التشكيك في كل وطنى شريف يختلف معهم، وحولوا حربهم السامة إلى حرب ضد الدين، وأصبح كل من يختلف معهم في الرأى ضد الدين. وعقب ثورة 30 يونيو أطلقوا أضخم شائعة على الإطلاق، ومفادها أن الغواصات الأمريكية تقف على بعد أميال معدودة من الشواطئ المصرية لإعادة جماعة الإخوان إلى الحكم و«مرسى» إلى مقعد الرئاسة. وظل قادتهم على يقين بعودة الإخوان إلى الحكم، مما دفع لجانهم إلى ترويج «الوهم الأكبر» بمقولة «مرسى راجع»! وما هي إلا أسابيع وتحول الوهم إلى «دجل واسع المدى» في أذهان البسطاء، عندما روج الإخوان ولجانهم الإلكترونية لنزول «سيدنا جبريل» إلى ميدان رابعة وقت اعتصامهم المشبوه!
كل هذه «الخزعبلات» تكرر يومياً بينما على الجانب الآخر وقف الجهاز الإعلامى الحكومى «على ماتفرج» يتفرج ويشاهد ويجمع التعساء من معدومى الخبرة، معتقداً أن معادلاتهم النابعة من نظريات «الطبل والزمر» ودراساتهم حول فرضية «بيانات النفى» كفيلة بأن تقف أمام كتائب «الجيوش الإلكترونية» وتلحق بها هزائم غير مسبوقة.. إنهم لا يدركون حركة الكون، ولا ما يشهده العالم من حولنا، ولا أن الزمن غير الزمن..!
زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز كانت هدفاً استراتيجياً وصيداً ثمينا للكتائب الإلكترونية حتى قبل إعلان الاتفاق على «تيران وصنافير». استيقظ الناس على واحدة من فنون الأكاذيب الإخوانية الرفيعة، وهى أن الملك لا يرغب في رؤية تمثال «إبراهيم باشا» لدى مروره بميدان الأوبرا متوجهاً إلى الأزهر الشريف!.. «ليه يا عم الحاج؟».. السبب أن إبراهيم باشا هو من قاتل الوهابيين في الحجاز، وأن مصر تريد ألا «تجرح مشاعر» خادم الحرمين برؤية التمثال!.. قد تكون القصة ساذجة لأبعد الحدود، ولكن الأمر يختلف وسط سيل من دعاوى الضلال والتشكيك. ولم يفكر جهاز «على ما تفرج» في أن يعلق أو حتى أحد من أفراده!.. لم يؤكد مسؤول واحد الخبر أو ينفيه.. لم يكلف حتى رئيس الحى نفسه بالرد والتأكيد على أن التمثال يخضع لعملية «طلاء» في إطار مشروع ترميم القاهرة الخديوية بوسط القاهرة، وهو ما يتطلب أن يتم تغطيته أثناء عملية الطلاء!
على الدولة وحكومتها الرشيدة أن يوجها لنفسيهما سؤالاً واحداً ومباشراً: لماذا تظهر الصحف – سواء قومية أو حزبية أو مستقلة – وهى تحمل عناوين واحدة تقريباً؟!.. السبب – بكل بساطة – أنه لا توجد لدينا حرية لتداول المعلومات في مصر.. وهو ما يهدد مصداقية النظام ويضرب الإبداع في مقتل! الناس تريد أن تفهم.. تريد أن تعرف.. لا أن تستمع إلى بيانات وحديث عن «الأحلام الوردية»!
من السهل أن تكون نائماً في بيتك، وتستيقظ على الأوناش تشق الشارع الموجود فيه البيت، دون أن تعرف.. هل مشروع الشق لكوبرى أم نفق أم بحيرة صناعية؟!.. الدول المتخلفة وحدها هي التي تعيش على مبدأ «على ما تفرج».. ولكن مصر لن تقبل الاستمرار على هذا المبدأ.. حتى لو اضطرت له بعض الوقت!