عندما كان السادات يتفاوض مع بيجن على إخلاء سيناء فى كامب ديفيد، كانت المظاهرات تجوب شوارع القدس وتل أبيب، نتيجة ما كان يتسرب عنها من معلومات، قصد منها صانع القرار الصهيونى أن يُفهِم السادات أنه ضعيف ومغلول اليد، فى الوقت الذى كان السادات يقمع فيه المعارضة المحتجة على السلام مع إسرائيل فى الداخل.
اليوم يبدو أن المشهد يتكرر بأسماء ودول مختلفة.. لم نعِ الدرس!. بداية أقرت السلطة بالتفاوض السرى مع المملكة العربية السعودية، مبررة ذلك بالخشية أن يكون العلن مسببًا لحدوث أزمة مع المملكة، رضيت بأزمة حقيقية مع شعبها بدلًا من أزمة مزعومة مع الخارج. والغريب أنها بدلًا من أن تعتذر عن مسلكها راحت تؤكد فصاحة رؤيتها، فيما ظهر وكأنه سيكون مسلكًا جديدًا سيتم تعميمه فى إدارة الحكم فى المستقبل. بعبارة أخرى، سيكون العمل فى الخفاء هو السيد واللجوء إلى المكاشفة والمصارحة هو الاستثناء.
ما سبق من مفاجأة أدى إلى نزول المتظاهرين إلى الشوارع، والسلطة أعلنت قبل ذلك بأيام أنها غير راضية عن التظاهر، ولن تسمح به على الإطلاق، رغم أن المتظاهرين ومظاهراتهم هم من جعلوا السلطة سلطة. بعبارة أخرى، لولا المظاهرات التى جابت شوارع مصر منذ يونيو 2012 حتى منتصف عام 2013 ما وصل نظام 3 يوليو إلى الحكم، منهيًا حكم جماعة الإخوان.. إذن هل محاربة السلطة للمظاهرات كانت إرضاء للمملكة؟ هل تنتهك السلطة الحقوق التى كفلها الدستور للمواطن بمواجهة المتظاهرين بهدف عدم إغضاب المملكة؟ ولماذا تتلكأ بالقانون المعيب لتنظيم حق التظاهر، أليس من الأجدى أن تعدله بعد وضع دستور 2014 الذى يختلف مع القانون جملة وتفصيلًا؟.
وسياسيًّا لماذا لم تقُم السلطة بالمكاشفة منذ شهور، وتستغل المظاهرات فى تحسين شروط التفاوض؟ ولماذا لم تستغلها الآن لتعديل الاتفاق؟ ولماذا تسعى دائمًا لإخافة الناس من التظاهر السلمى باتهام جماعة الإخوان أنها المحرض للتظاهرات، ساعية إلى الغمز واللمز بأن هؤلاء سيتم سحلهم والقضاء عليهم لو نزلوا إلى الشارع للتعبير عن آرائهم بشكل حضارى وسلمى، لأنهم من أتباع المحظورة؟.
لماذا تخشى السلطة من المعارضة؟ لماذا ترفض الاستفتاء على الاتفاق؟ هل إغضاب المملكة أغلى من حقوق الوطن حتى لو كانت تلك الحقوق مشكوكًا فيها؟ لماذا لا نريد أن تعلم المملكة أن ما حصلت عليه مرّ من تحت أنياب القسورة؟ لماذا نلجأ الآن لقانونيين كنا نحسبهم جميعًا حتى وقت قريب من أزلام النظام السابق لتبرير ما حدث؟ لماذا أصبح الدكتور البرادعى الذى يصنّفه بعض المقربين من دوائر الحكم أنه من الخائنين من العرّابين للاتفاق؟.
الوقت لم ينفد بعد، مازلنا قادرين على التراجع، حقوق الوطن أهم من تحسين أحواله الاقتصادية والاجتماعية، ودليلنا على ذلك أن من نزل للشوارع من المعارضين هم من الطبقات الدنيا والوسطى.