دروس فتنة تيران وصنافير

محمد كمال الأحد 17-04-2016 21:20

برغم أن الدولة تنشغل هذه الأيام بزيارة الرئيس الفرنسى للقاهرة، إلا أن فتنة جزيرتى تيران وصنافير يجب ألا تمر دون وقفة متأنية لاستخلاص الدروس منها. قضية الجزيرتين تحولت لقضية رأى عام بامتياز وخاصة بين الشباب، وقد لاحقتنى شخصيا أسئلة طلاب الجامعة حول الموضوع فى كل محاضراتى بجامعة القاهرة.

الدرس الأول الذى يجب تعلمه يتعلق بالسؤال التالى: لماذا لعبت شبكات التواصل الاجتماعى، خاصة «الفيس بوك» الدور الرئيسى فى تشكيل الرأى العام فى هذه القضية؟ والإجابة المباشرة هى حالة الفراغ السياسى التى تشهدها مصر حاليا. ففى معظم دول العالم تلعب الإنترنت وفيس بوك دورا مكملا للسياسة، ولكن صوتها لا يعلو فوق صوت السياسيين أو تقود العملية السياسية بدلا منهم. الاختلاف المصرى يرتبط بضعف المؤسسات السياسية التى من المفترض أن تقود الرأى العام، وعلى رأسها الأحزاب والبرلمان، بالإضافة لغياب الساسة وضعف المعارضة الحزبية، لذا وجدنا الفيس بوك يحل محل الأحزاب والبرلمان كساحة لمناقشة قضايا المجتمع، وحل أفراد عاديون وكتائب إليكترونية محل السياسيين فى قيادة الرأى العام. وبلغ العبث ذروته بقيام وسائل إعلام موالية للدولة بملء الفراغ من خلال الترويج لآراء شخصيات انتقدتها فى السابق لارتباطها بالخارج أو تلونها المستمر.

معالجة هذا الفراغ تتطلب إحياء دور البرلمان وممارسته سلطاته الدستورية، ومن ذلك الإسراع بانتخابات اللجان (البرلمان المصرى هو الوحيد فى العالم الذى يعمل دون لجان بعد مرور أكثر من ثلاثة أ`شهر على بدء جلساته)، وإعادة بث الجلسات وإتاحة الفرصة لظهور رموز سياسية وتعرف الرأى العام عليها. المسألة الثانية تتعلق بملء الفراغ الحزبى، وأنا ضد إنشاء الرئيس لحزب له فى الظروف الحالية، ولكن هذا لا يمنع من ظهور حزب مساند لتوجهات الحكومة، بتحويل ائتلاف دعم مصر لحزب سياسى له قياداته المحددة، ورؤيته الواضحة، وأمانة تنظيمه التى تعبئ أعضاءه بدلا من «أجهزة» الدولة. تشكيل هذا الحزب ليس بالصعب، وبعض أعضائه سبق توقيعهم على استمارة بالانضمام لحزب سياسى عند دخوله الائتلاف، وسيتيح هذا لباقى المستقلين إنشاء أحزاب لهم، بدلا من حالة الفردية والتشرذم التى تسود البرلمان.

الدرس الثانى يتعلق بالإعداد للقرارات الكبرى، وقرار الجزيرتين لن يكون آخرها، وهنا لا يمكن فصل مضمون القرار عن توقيت صدوره، وضرورة التجهيز الإعلامى المسبق - وقبل شهور- لإعلان هذه القرارات ببلورة نقاط واضحة لمخاطبة الرأى العام واختيار الشخصيات المناسبة لشرح القرار. هذا الأمر يتطلب بالتأكيد خبرات سياسية. وربما يكون من المفيد هنا إعادة سكرتارية المعلومات بالرئاسة، وأحياء فكرة المجلس السياسى الاستشارى للرئيس، ووضع رؤية لتطوير إعلام الدولة وبما يتناسب مع تحديات المرحلة بدلا من الاعتماد فقط على الإعلام الخاص.

الدرس الثالث يتعلق بالتعامل مع الشباب، والحل لا يرتبط بالضرورة بإنشاء تنظيم شبابى لدعم الدولة، أو تصعيد حملات انتقاد كل ما سبق 25 يناير 2011، أو التعجيل بانتخابات المحليات. البداية من وجهة نظرى تتطلب القيام بدراسة علمية ميدانية لمطالب وتطلعات هذا الجيل من الشباب، وتطوير السياسات والمؤسسات استنادا لنتائج الدراسة، ويمكن تكليف مركز البحوث الاجتماعية والجنائية، وهو الرائد فى هذا المجال بإعداد هذه الدراسة.

وأخير، لن يمكن التعامل مع القرارات الكبرى فى المستقبل دون تبنى مبادرة سياسية للوفاق الوطنى، مبادرة تجمع غالبية المصريين بغض النظر عن توجهاتهم السياسية، وتستبعد فقط من شارك فى فساد مالى أو إراقة دماء أو عمالة للخارج.

ملاحظة ختامية، بقدر حرصنا على تنمية العلاقة مع الشقيقة السعودية، علينا أن نحرص على إحياء الدور القيادى لمصر فى المنطقة، وتأكيد استقلالية قرار السياسة الخارجية المصرية.

makamal@feps.edu.eg