«مبارك» فى لحظات الترشح: 5 مشاهد و5 صور

كتب: أحمد رجب الجمعة 29-10-2010 23:58

بجرح فى يده اليسرى نتج عن حادث «المنصة»، وشرعية نصر وعبور وضربة جوية، قدم مبارك نفسه رئيساً لمصر، فى أولى فتراته الرئاسية عام 1981، ومن مبارك 81، إلى مبارك 87، ومبارك 93، ومبارك 99، وانتهاء بمبارك 2005، عاش الرئيس ومعه مصر أحداثاً كثيرة على كل المستويات، فمن استفتاء لانتخابات، ومن تطرف داخلى، إلى إرهاب خارجى، وصولاً لإرهاب من «ليس منا فهو علينا»، ومن خصخصة إلى كوبونات. وفى بداية كل فترة رئاسية جديدة، بظروف مختلفة، كان «مبارك» يرتدى زياً جديداً.


مبارك بطل «الضربة الجوية» 1981، ومبارك قائد «الإصلاح الاقتصادى» 1987، ومبارك راعى «تخفيض ديون مصر» 1993، ومبارك رجل «توشكى» 1999، ومبارك مفجر «الانتخابات الرئاسية» 2005.. وجه مختلف كل فترة، وظروف محيطة تتشابه وتتطابق أحيانا، وتختلف وتتباعد أحيانا أخرى.


.. والآن بعد تصريح الدكتور على الدين هلال، أمين الإعلام بالحزب الوطنى، فى قناة «الحرة» بأن «مبارك هو مرشح الحزب الوطنى لانتخابات 2011»، رصدت «المصرى اليوم» لحظات الترشح فى كل فترة رئاسية وظروف كل منها، و«البرواز» الذى وضع الرئيس نفسه فيه عبر أبرز القضايا وأقوى المشكلات فى كل سنة منها: إنها صور متباينة ننقل من خلالها ملمحاً من الماضى القريب، استمر خلال السنوات الـ30 الماضية، وقد يفيد فى التنبؤ بـ«مبارك 2011».

مبارك أكتوبر 1981


«الطيار الرئيس» محاصر بالتطرف والعلاقات العربية المقطوعة


بعد أيام من اغتيال مروع، وقف النائب محمد حسنى مبارك يقسم اليمين، رئيسا لجمهورية مصر العربية، ليخلف «السادات» الرئيس المؤمن، صاحب قرار الحرب والسلام، المقتول بيد «جماعة متطرفة» يوم نصره، فى درس مبكر حصل عليه مبارك قبل 8 أيام من حصوله على لقب رئيس رسميا.


بلد مشتعل، نخبته فى المعتقل، ومقطوع العلاقة بدول الوطن العربى، وتغلغلت داخله الجماعات المتطرفة بطريقة صورت لها، حسب مبارك نفسه فى تصريحه لـ«وول ستريت جورنال»، محاولة تقليد بعض ما حدث فى إيران، مشيرا إلى أن «موقفنا هنا فى مصر يختلف تماما عن إيران، وأن أخلاق شعبنا وطبيعتنا تختلف تماما عن إيران فقد خططوا لاغتيال الرئيس وربما اغتيال القيادة كلها خلال احتفالات السادس من أكتوبر ثم يعلنون بعد ذلك شيئا يشبه ما يسمى الثورة الإسلامية، ولكنهم لم يتمكنوا من تحقيق مثل هذه الخطة».


مبارك المحاصر بالتطرف والعلاقات المقطوعة، والإذاعات العربية التى توجه الانتقادات يوميا إلى مصر، ومرحلة أخيرة لم تنفذ من عملية السلام مع إسرائيل، ونخبة قابعة فى المعتقل، وانفتاح وصف بـ«السداح مداح»،دلف مباشرة إلى قصر الرئاسة حاملا كل إرث سلفه، وجرحا فى يده اليسرى.


وبأسلوب مختلف قرر مبارك التعامل مع كل قضية على حدة، فأفرج عن المعتقلين، وأعطى لـ«النيويورك تايمز» يوم 20 أكتوبر 1981، خطوطا عريضة لسياسته، فقال «سأؤيد سياسة الانفتاح أكثر وأكثر» و«سأتعامل بصرامة مع المتطرفين» و«لن نقول شيئا ضد أى دولة عربية وسوف أبلغ الصحافة ألا تهاجم أصدقاءنا العرب وحتى ليبيا نفسها ولن نبدأ بالهجوم على أى من هذه الدول وسنعطيها الفرصة لإعادة تقييم الموقف وسوف نرى»، مضيفا «إننى لن أرحم أحدا حتى ولو كان أخى, وحتى ولو كان أقرب الأقرباء، إن مصر ليست ضيعة لحاكمها أو لصفوتها الحاكمة أو أقربائهم».


ومبارك الذى يرد على سؤال على أى خطى سيسير: «عبدالناصر» أم «السادات»؟ بقوله «اسمى حسنى مبارك»، آمن بقدرات المصريين «مقاومة الانحراف والتسيب ينبغى أن تكون مسؤولية الجميع، ومسؤوليتى الشخصية ومسؤولية الأجهزة الحكومية، ومسؤولية الشعب فى نفس الوقت،فاليد الواحدة لا تستطيع التصفيق» مع احتفاظه بكامل تقديره لذاته عندما أجاب عن سؤال لمحرر «وول ستريت جورنال» «هل يوجد أبطال فى مصر؟» وقائلا « كنت قائدا للقوات الجوية.. هل تعلم ذلك؟».


«الترشح» خوفاً من «هياج الشعب وتخريب البلد»


فى 5 أكتوبر 1987، وقف مبارك فى «مجلس الشعب» مقتنعاً بضرورة تقديم اعتذاره عن عدم الترشح لفترة رئاسية جديدة، كما يروى لمجلة «السياسة» الكويتية: «لا أخفى عليك أننى كنت متردداً جداً فى هذا الموضوع، حتى كدت أصل إلى اقتناع قاطع بعدم التجديد ظل ذلك معى حتى آخر دقيقة، وعندما جاء وقت الكلمة لأعرض فيها الرأى والموقف النهائى، كنت قد أعددت كلمتين: الأولى أشكر فيها وأعتذر، غير أنى وبصراحة خشيت على مستقبل البلد، فقد يسبب اعتذارى هياجاً من جانب الشعب، وقد تتدخل فئة انتهازية وتندس فى وسط الجماهير لتعمل على تخريب البلد».


خشى مبارك أن يسبب اعتذاره عن عدم الترشح رئيساً للجمهورية «هياجاً من جانب الشعب» و«على مستقبل البلد»، الواقف – وقتها – فى مرمى نيران مدفعية سورية وليبية ثقيلة، ففى العام نفسه تعرض الرئيس مبارك لهجوم شديد ومطالبة بالمقاطعة الاقتصادية من «الأسد» فى مؤتمر القمة الإسلامى فى المغرب، وهو الهجوم الذى استمر لساعة وخمسين دقيقة، ورد عليه مبارك بكلمتى: «أرفض التعقيب»، هذا إلى جانب المناوشات المتبادلة مع ليبيا، والتى وصلت لاستضافة معارضين ليبيين فى مصر واحتجاز ليبيا مواطنين مصريين.


اقتصادياً كانت مصر تتهاوى تحت وطأة الديون الخارجية والتى قال عنها مبارك فى حوار لمجلة «المجلة» السعودية: «لاتزال الاتصالات الدولية قائمة ومستمرة من أجل حل مقبول من جانبنا لمشكلة الديون الخارجية» قبل أن يقول لـ«السياسة» الكويتية بعدها بشهور رداً على سؤال حول سداد دول خليجية لجزء من ديون مصر: «أرجو أن تعفينى من الحديث فيه، وبالذات فى هذا الوقت، إذا كان إخواننا فى هذه الدول يفكرون فى مساندة مصر فمصر هى بلدهم».


سياسياً تواصلت جهود مصر على طاولة المفاوضات بين فلسطين وإسرائيل، وبعد أيام من الاستفتاء عليه، وجد مبارك نفسه أمام أزمة كبيرة بعد تحرش إيران بالكويت، مما دعاه لإصدار بيان شديد اللهجة يعد فيه بمساعدة الكويت بكل ما أوتى من قوة.


مبارك 87، «الممسك بخيوط اللعبة» حسب تصريحه لـ«السياسة» الكويتية: «أنا المسؤول فى النهاية، وعلىّ أن أزن الأمور، فأنا الذى أمامى جميع خيوط اللعبة»، والذى يواجه الإرهاب فى الداخل، وحروباً كلامية من دول عربية فى الخارج، لم ينس التأكيد على استقلالية مصر فى خطابه قبل الاستفتاء بعام فى ذكرى وفاة الزعيم جمال عبدالناصر، عندما قال: «فى عهد الزعيم الراحل أصبح القرار المصرى، هو قرار شعب مصر متحرراً من التبعية»، كما برز نهجه الواقعى فى تصريح لـ«السياسة» الكويتية قال فيه: «القوى العظمى لها مصالحها، وهذا ما يجب أن نعرفه بواقعية، نحن لسنا فى حجم القوى العظمى، وبالتالى ليس فى مقدورنا أن ندخل فى مفرمتها».


مبارك 1993


مبارك 1999


«يحارب» الزيادة السكانية ويصف توشكى بـ«مشروع المستقبل»


« يبدأ » الخصخصة ويهدد الفاسدين: «لن أرحم أحدا حتى لو أقرب الأقرباء»


بذكرى حادث فى بورسعيد - أطلقت عليه الصحافة القومية وقتها لقب «عارض»- دخل مبارك الاستفتاء كمرشح لرئاسة الجمهورية لفترة رابعة، كان الحادث قبل أسابيع من الاستفتاء، وطبقا لتصريحات مبارك فى التليفزيون المصرى، فى سبتمبر 1999، «ذهبت لافتتاح مشروع شرق التفريعة، وكان استقبالا حارا جدا وكبيرا، ووجدت سيدة كبيرة لم تستطع الوصول إلىّ ففتحت الزجاج لها، وبعدها بدقيقتين لم أشاهد سوى شخص يمسك بزجاج السيارة ورمى زجاجة لم تصل إلينا، لأن الأمن أوقفه واستطاع بقرن غزال إصابة أصابع قائد الحراسة ثم أصابنى إصابة بسيطة، ولم أتأثر بهذا الموقف وقمت بتغيير الجاكت وأكملت يومى كأى يوم عادى».


بداية ربما لا تكون مبشرة لشهر انتخابات، ولكن أرقاما اقتصادية مثل نمو الطاقة الكهربائية، وتضاعف الناتج المحلى، وارتفاع متوسط دخل الفرد، كلها أرقام دلل بها الرئيس لجريدة القوات المسلحة فى شهر الاستفتاء على إنجازات تاريخية، لم يرض أن ينسبها لنفسه فنسبها للشعب المصرى «إن شعب مصر يجب أن يفتخر بما حققه فلقد نجحنا فى وضع البنية الأساسية للانطلاقة الكبرى».


وبعد الإنجازات الكبيرة التى حققها الرئيس، طبقا لتصريحاته، كان لابد من دافع للترشح مرة رابعة للرئاسة وهو ما وجده كما أخبر شباب الجامعات بالإسكندرية «أنا لم أتقدم للترشيح لفترة ولاية جديدة، ولكن ممثلى الشعب هم الذين تقدموا بترشيحى طبقا لنص الدستور وأنا قبلت هذا الترشيح واعتبرته تكليفاً من الشعب».


وبين معركة التنمية وحرب الزيادة السكانية، التى كانت أهم مشاكل الفترة الرئاسية الثالثة، دخل مبارك الفترة الرابعة مسلحا بعدد كبير من المشروعات التنموية الضخمة، هى كما أخبر شباب الجامعات «مشروعات شرق التفريعة وخليج السويس، والمشروع القومى فى سيناء، ومشروعات حديد أسوان، ومشروع توشكى»، وحول المشروع الأخير والذى اعتبرته، وقتها، بعض الصحف القومية، هرم مصر الجديد قال مبارك أثناء زيارته للمشروع: «أحب أن يعرف الجميع أننى لا أوافق على أى مشروع إلا بعد دراسته حيث تطرح أمامنا أبعاد هذا المشروع وعوائده ونتائجه. فكل ما يدور فى عقول أبناء الشعب المصرى تمت مناقشته ودراسته بالتفصيل.. ولهذا أنا أسمى هذا المشروع مشروع المستقبل».


مشوار 18 عاما مضت و 6 أعوام مقبلة لخصه مبارك فى حواره للتليفزيون المصرى: «عندما توليت قابلتنى مشكلات اقتصادية ومشكلات سياسية، وأديت فى كل هذه المشكلات معا، فهى تقريبا شبه متوازية، إصلاح سياسى مع حريات صحافة، أحزاب، وإصلاح اقتصادى متأخر شوية».


فى 3 أكتوبر 1993، دشن «مبارك» فترته الرئاسية الثالثة بخطاب ألقاه فى مجلس الشعب بمناسبة إعادة انتخابه، حذر فيه من خطورة المرحلة المقبلة قائلاً: «السنوات القادمة تشكل حقبة من أخطر الحقب التى ستمر بها الكنانة طوال تاريخها الحافل، ولست بحاجة إلى أن أخوض بالتفصيل فى أسباب خطورة ودقة هذه الحقبة، فتلك مسألة يدركها كل مواطن بحسه التاريخى».


ولتفصيل ما رأى الرئيس أن المواطن المصرى يدركه بحسه التاريخى وقتها، تجب العودة إلى عام 1993، عندها كانت مصر قد قاربت على التخلص من عقدة ديونها الخارجية بعد إسقاط 50% منها، بسبب ما سماه الرئيس فى حواره مع جريدة الأهرام المسائى فى أكتوبر 1993 «الشبكة الواسعة من العلاقات الدولية المتميزة وإحساس المجتمع الدولى بمصداقية التوجه المصرى»، وكانت رياح الخصخصة قد بدأت تهل وهو ما شرحه «مبارك» لجريدة الليبراسون الفرنسية وقال «اجتزنا أكثر مراحل هذا الإصلاح قسوة وسنبدأ عملية الخصخصة ونأمل أن نوفر خلال عامين مستوى معيشة أفضل كثيرا». وكانت المعركة مع الإرهاب قد وصلت للذروة لدرجة أن شهر الاستفتاء الرئاسى نفسه قد شهد حادثة إرهابية راح ضحيتها عدد من الأمريكيين والفرنسيين.


خارجيا ركزت مصر جهودها وقتها على حل الأزمة الفلسطينية بالتعاون مع الرئيس الأمريكى بيل كلينتون، بعد أن أنهت «حرب الخليج» ما تبقى من أزمات مصرية عربية. وبقوة واجه «مبارك» فى فترته الثالثة، اتهامات متكررة بفساد النظام، بتصريحات قوية مثل تصريحه لـ«الأهرام المسائى»: لن أرحم أحداً يمد يده حتى لو كان أقرب الأقرباء إلى نفسى، لأن مصر ليست ضيعة لحاكمها» وبنفس القوة أعلن لمراسل الـ«إن.بى.سى»: ليس فى مرحلة حكم مبارك وجود بالمرة لأى مراكز للقوى.


مبارك 2005


رئيس دون «جاكت» على الطريقة الأمريكية.. ويحذر الشعب من الذين يريدون «الحكم للأبد»


دون «جاكت»، وبصور تغيرت بفعل ماكينة الإعلام، دخل مبارك فترته الخامسة، معركة انتخابية على الطريقة الأمريكية، قدم فيها نفسه كمرشح للرئاسة عن الحزب الوطنى، فى منافسة مع 9 مرشحين لـ9 أحزاب، وقدم خلالها برنامجا انتخابيا للمرة الأولى، شهد العديد من البنود المميزة مثل الألف مصنع والألف قرية، والإصلاح الدستورى، وإلغاء قانون الطوارئ.


وقبل الانتخابات قدم مبارك وجهه الإصلاحى مرتين، ربطتهما قناة «الجزيرة» بـ«تزامن المطالبات الداخلية بالإصلاح مع التوجهات الخارجية فى المجال ذاته، فتصاعدت الضغوط من الجانبين وجميعها صب فى ضرورة تبنى خطوات إصلاحية كبيرة».


أما الوجهان الإصلاحيان فكانا: دعوته لمؤتمر حول الإصلاح فى العالم العربى عقدت دورته الأولى العام الماضى بمكتبة الإسكندرية، وجاءت الثانية فى مارس 2005. وفى الدورتين أكد بعبارات واضحة أهمية الإصلاح، باعتباره عملية «متصلة تنبع من إرادة الأمة ولا تطلب من الخارج». والوجه الثانى والأكثر أهمية عندما أعلن من مدرسة «المساعى المشكورة» عن تراجعه عن رفض إجراء أى تعديلات دستورية فى يناير 2005- وأوضح لمن يطالب بـ«الانتخاب المباشر» بديلا لـ«الاستفتاء» أن الاستفتاء مؤسس على ترشيح من ممثلى الشعب فى البرلمان- ومطالبته لتعديل المادة 76 من الدستور الخاصة بآلية انتخاب الرئيس لتكون بين أكثر من مرشح.


مبارك 2005، رجل سياسة، يطرح برنامجا انتخابيا، ويصف المظاهرات المعارضة بــ «مدفوعة الثمن»، ويحذر الشعب من الإخوان ضمنيا «إذا حكموا فسيحكمون للأبد وسوف يسببون قلقا فى البلاد»، مبارك إصلاحى يعدل الدستور، ويواصل تقديم دور أساسى فى الصراع العربى الفلسطينى. مبارك دون رباط عنق، يطرح برنامجا اقتصاديا رأسماليا، مع حكومة إصلاحها أكثر تماشيا مع متطلبات البنك الدولى، مبارك 2005 رئيس جديد بفكر جديد، الشىء الثابت فيه هو قناعته بدوره المقدس الذى يؤديه لمصر، كما أخبر قناة العربية فى مطلع 2005 .