انقضت أعوام ثلاثة منذ اكتشاف مدخل مقبرة توت عنخ آمون فى نوفمبر 1922، لم ينقطع فيها العمل المضنى: فى الجرد والتصنيف والترقيم لمحتويات الكنز الذى لا يُقدر بمال. ثم جاء موعد اللقاء المرتقب فى أكتوبر 1925 مع الملك القابع فى تابوته منذ قرون.. وما علينا من الكنوز التى وُجدت بالغرفة، والتى كشفت لأول مرة عن كثير من الأسرار مثل مراسم الدفن عند المصريين القدماء وكيفية تشييع ملوكهم إلى عتبات العالم الآخر وغيرها.. لأن ذلك يحتاج إلى مجلدات! لكن تجدر الإشارة إلى ما شاع عن غضبة الفراعنة وانتقامهم من الطامعين والعابثين بكنوزهم ومقابرهم حتى لو كانوا يبحثون عن علم، أو يسعون إلى معرفة! وهو ما عُرف بلعنة الفراعنة بعد فتح هذه المقبرة بالذات لكثرة الوقائع المأساوية المرتبطة بها.
كانت هناك جملة منقوشة على مدخل المقبرة، وبعد فك رموزها وجدوا أنها تقول: «لسوف يُطبق الموت سريعا بأجنحته على كل من يزعج الفرعون»! عبارة لم تهمهم فى بداية الأمر! وبينما «هوارد كارتر» منهمك فى اكتشافاته بالتابوت الذهبى الذى لم يُمس منذ ثلاثة آلاف سنة، وبداخله مومياء الملك، أمسك بيد رفيقه فى الكشف لورد «كارنرفون» وفجأة ينزع «كارنرفون» يده متألما ويشير إلى خدّه الأيسر قائلا: «لقد لدغتنى بعوضة»! ثم يظل بعدها طريح الفراش لمدة ستة أسابيع، وبينما هو يحتضر سمعوه يهذى بلا انقطاع باسم «توت عنخ آمون» حتى همهم: «انتهى الأمر. لقد سمعت صوته. وها أنذا أتبعه»، ثم لفظ أنفاسه ومات! وبعدها بلحظات هبّ كلبه مذعورا يعوى لبرهة ثم سقط على ظهره ومات! كما انقطعت الأنوار عن بيت «كارنرفون» فجأة، وخرج الممرض الذى كان يتابعه يجرى مرتعبا، ولما عاد التيار وجدوه على الأرض.. ميتا!
بعدها ارتفعت الأصوات فى إنجلترا تتحدث عن «نقمة انتهاك الحُرمات»، وتذكرهم بالعبارة المكتوبة على باب المقبرة، وخيم الصمت لستة شهور فقط! ثم توفى شقيق اللورد، ولحقت به الممرضة التى كانت ترعاه، ولحق بهما سكرتير «هوارد كارتر» أيضا. أما عملاق الصناعة الإنجليزى «جول وولف» الذى لم يعبأ بهذه الأقاويل وزار المقبرة، فقد داهمته الحمى فى طريق عودته ومات على ظهر السفينة!
وفى تلك الأثناء، أُخرجت مومياء الملك وانحنى «كارتر» مقترباً من وجه الملك متفحصاً. ثم أطلق صرخة! فعلى الخد الأيسر للملك أثر جُرح غائر. فى نفس المكان من الخد الذى لُدغ فيه لورد كارنرفون! ثم بدأت سلسلة متلاحقة من الوفيات الغامضة بين زوار مدينة الموتى الفرعونية حينذاك. ففى وقت واحد تقريبا مات كل من عالم الأثريات الفرنسى «بنديت» والإيطالى «ماريو باسانوفا»، وبدأوا يحسبون عدد الأموات كأهداف مباراة! فاللورد «وسبتورى» والد سكرتير كارتر الذى توفى، ألقى بنفسه من نافذة مسكنه بالدور السابع وهو فى سن الثامنة والسبعين، ودهس حوزى العربة حاملة نعشه فى طريقه للمدفن طفلا صغيرا فقتله! وماتت زوجة كارنرفون إثر لدغة حشرة! وكذلك من تولى مهمة تصوير مومياء الملك بالأشعة، ولحق بهم عالم المصريات «أرثر وينجال»، وأعقبه البروفيسور «لافلير» أول عالم أمريكى يزور غرفة الدفن الملكية مات قبل العودة إلى بلاده.
أما «أرثر ميس» من متحف المتروبوليتان الشهير وأحد المؤازرين لكارتر فى كشف المقبرة، فقد أراد أن يأخذ حذره و«ينفد بجلده» فأسرع للعودة من مصر إلى أمريكا، ومات فى الباخرة وسط المحيط الأطلنطى! وهكذا فى فترة قصيرة مات 25 عالما أزعجوا الفرعون بزيارتهم، ولم يكن أحد منهم مريضا! واحد فقط شذ عن القاعدة، ليزيد اللغز تعقيدا، إنه هوارد كارتر الفاعل الأول، فقد مات ميتة طبيعية عام 1939 بعد أن ظل طويلا يؤكد خرافة لعنة الفراعنة!
(كتاب: مغامرون ظرفاء ومغامرون تعساء.. فؤاد شاكر.. الدار العربية للكتاب)