الثورة الحقيقية.. تبدأ بالمحليات!

عباس الطرابيلي السبت 16-04-2016 21:23

لن أعترف بأن الثورة نجحت.. إلا إذا بدأنا بمحاربة الفساد.. وهذه الحرب تبدأ من المحليات!!

وإذا كان البعض يتساءل عن أسباب تأخر إجراء الانتخابات المحلية.. فإننى أقول: إن الأصوب أن نعد قانوناً جديداً للمجالس المحلية قبل أن نتساءل عن أسباب تأخر هذه الانتخابات.. لأنه إن جرت الانتخابات في ظل القانون القديم فإننا نعترف بتقنين الفساد بل وترسيخه.. وباستمرار سيطرة رجال الحزب الوطنى الذين فهموا أصول اللعبة جيداً.. وبالذات السيطرة على كل ما يتصل بحياة المواطن المصرى في القرى والنجوع والعزب.. وكل المدن البعيدة عن العاصمة.. وربما كان هذا من أهم أسباب سيطرة الحزب الوطنى على كل الأمور.

والمؤلم أننا اعتقدنا أن هذه المحليات هي المدرسة الابتدائية التي يجب أن تتحول إلى مدرسة للديمقراطية، لتدريب الشباب على الممارسة السياسية، وعلى فن التعامل مع المواطن.. ومن هذا المنطلق نجح الحزب الوطنى في التحكم في مقدرات كل المصريين، ولأن المحليات أصبحت هي مدرسة ممارسة الفساد، فإن الصواب أن نبدأ بالإصلاح من هذه المحليات.. ومن أبرز مظاهر الفساد: التربح من العمل في هذه المحليات.. وهناك من دفع عشرات الألوف من الجنيهات «رشوة» لكى يعمل فيها أو يُعين.. أو يتم نقله إليها.. حتى ولو كان موظفاً صغيراً.. بل كان العمل بالمحليات هو حلم كل شاب يسعى إلى «تكوين نفسه»!! وافهموها بقى.

وتوقعت- عند مجىء الدكتور أحمد زكى بدر وزيراً للتنمية المحلية- أنه جاء- بالفعل- لتطهير أكبر وكر للفساد في البلاد. فهل هناك من يعوق ويعرقل ويكاد يلغى دور هذا الوزير المعروف بالحسم، أم أن مافيا الفساد في المحليات أقوى وأكبر من أي وزير؟!.. نقول ذلك لأنه يُفترض أن يستمد الوزير سلطته وقوته من تصريحات الرئيس السيسى، الذي كثيراً ما تحدث عن الفساد في هذا القطاع الحيوى، أم أن مافيا الفساد- هنا- أكبر حتى من إصرار الرئيس على ضرب الفساد؟!

حقاً.. لماذا تأخرت إجراءات الوزير المدعمة بإصرار رئيس الجمهورية على فتح الفساد وتطهيره.. أم نفاجأ ببدء معركة الانتخابات قبل أن نأخذ أي خطوة لإصدار قانون جديد للمحليات.. وليس مجرد تعديل أو ترقيع للقانون القديم.. وحتى لا نطالب بالعودة إلى نظام البلديات القديم، عندما كانت عندنا مجالس بلدية.. وأخرى قروية، وكان اسم الوزارة هو وزارة الشؤون البلدية والقروية، وكان يتبعها نشاط الإسكان والمرافق.. وهذه المجالس البلدية والقروية كلها في وزارة واحدة.

ونقول: إذا أردتم عودة الحزب الوطنى الذي كان وجوده من أهم أسباب ثورة ٢٥ يناير وما بعدها.. فما عليكم إلا إجراء الانتخابات في ظل هذا القديم.. ليعود الفلول أشرس مما كانوا.. وكفى أن تواجدهم الحالى في البرلمان يعرقل قيام برلمان قوى في البلاد.. بل إن استمرار هذا الوضع يمكّن الحزب الوطنى من استعادة سلطاته من هنا.. من القرى والنجوع والمدن.. وهى نفس انطلاقة الإخوان ومؤيديهم.. من نفس المنطلق الجماهيرى: خدمة الناس!!

ومن ضرورات القضاء على الفساد عدم السماح بالبقاء في جهاز المحليات للموظفين، صغيرهم وكبيرهم، أكثر من ٤ سنوات، حتى لا ينجحوا في تكوين عصبيات أو تثبيت قواعدهم في أي موقع.. وربما يكون ذلك بحركات تنقلات تشمل حتى أصغر الدرجات الوظيفية.. وأن يترك الموظف المنقول مسكنه ليقيم فيه من يأتى بعده، كما يحدث مع ضباط الشرطة والقوات المسلحة والقضاء.. لمنع تكوّن مراكز القوى وتشتيت أسر العاملين المنقولين.. وأن تكون عمليات تصعيد الموظفين بعد استطلاع رأى الناس المتعاملين معهم.. لأنهم الأقدر على كشف فسادهم.

■ ■ والأهم الابتعاد عن نظرية أهل الثقة قبل أهل الكفاءة.. وألا تكون المناصب القيادية والعليا عبارة عن «مكافأة نهاية الخدمة»، أي يعطيهم ذلك «ترخيصاً» بجمع المزايا والمكاسب.. بما يفتح باب الفساد المالى على مصراعيه وأكثر.. وإذا كان رب البيت بالدف ضارباً، فعلى أهل البيت كلهم الرقص، يعنى يسمح لهم بأن يفرضوا الإتاوات على المواطنين.. وإذا أردنا محاربة فساد المحليات فإن سرعة التقاضى في قضايا الرشوة والتربح مطلوبة لسرعة الردع.. حتى لا ينسى الناس عندما يصدر حكم الإدانة لماذا كانت المحاكمة.. أصلاً.

مرة أخرى: بقاء المحليات على حالها يؤكد أن الثورة لم تنجح كما يجب، وأن الثورة الحقيقية لم تبدأ بعد!!