العبث الطائفي

عبد الناصر سلامة الجمعة 15-04-2016 20:51

لا يخلو أىٌّ من بلدان الخليج العربية من الوجود الشيعى، بنِسب متفاوتة، بل من الوجود الفارسى الأصل، هذه حقيقة لا تحمل أي مبالغات، هم أغلبية في هذه الدولة، أقلية في أخرى، وجود قوى في غيرهما، يمتد هذا الوجود في كل الدول الإسلامية تقريباً، والتى كان آخرها مصر، تحديداً منذ غزو العراق في ٢٠٠٣. الشيعة بكثافة في تركيا، كما في باكستان وأفغانستان، كما في إندونيسيا وماليزيا، كما في بنجلاديش وسريلانكا، كما في كل دول الاتحاد السوفيتى السابق. ليسوا كماً مهملاً في دول الخليج، هم أصحاب المصارف في معظم الأحوال، هم التجار، هم المستثمرون، هم في مواقع سياسية فاعلة في معظمها.

بالتأكيد هو خطأ فادح إذا تصورنا أنه يمكن إقامة تحالفات، أو قوميات سنية أو شيعية، تتناحر طوال الوقت، أو يقاتل بعضها البعض. هو خطأ فادح إذا تصورنا أن إسرائيل، دولة الاحتلال، يمكن أن تكون نصيراً لهذا التحالف أو ذاك على حساب الآخر، هو خطأ فادح إذا تصورنا أن هناك غالبا ومغلوبا في هذه الحالة، هو خطأ فادح إذا تصورنا أن مثل هذه التحالفات يمكن أن تطيل من عمر هذا النظام أو ذاك، العكس صحيح تماماً، وهو أن هذا الطريق سوف يقود المنطقة إلى مزيد من التوتر وعدم الاستقرار.

اختلاف الطوائف والمذاهب الفقهية ليس حالة مرَضية أبداً، بقدر ما يمكن الاستفادة منه من كافة الوجوه، الاختلاف في حد ذاته رحمة، هو سُنة الله في الوجود، (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)، إذا كانت الديانات المختلفة تتعايش بسلام، فبالأولى أن تتعايش المذاهب داخل الديانة الواحدة، التشدد والتطرف والتزمُت في الأحكام والممارسات لم ينتج عنها سوى الإرهاب وسفك الدماء.

خلال العقود الأخيرة، شهد العالم الكثير من حوارات الأديان، لم تشهد الدول الإسلامية سوى القليل من حوارات المذاهب، على استحياء كانت تقام ندوات هنا أو هناك، حوارات الأديان شارك فيها الجميع، حتى من ليسوا منها، شارك فيها عبدة البقر، كما عبدة الشمس، كما عبدة النار، حوارات المذاهب قاطعها البعض ممن لا تستهويهم المذاهب المخالفة، في الوقت الذي شاركوا فيه الآخرين موائدهم ومناقشاتهم، هو الخلل بعينه، بل إن شئت قل: فقدان العقل.

الأمر أيها السادة يحتاج إلى مراجعة شاملة للموقف، بعد خلط الأوراق الذي أصبحت فيه المنطقة على صفيح ساخن، طبول الحرب والتحالفات الطائفية أصبحت تدق طوال الوقت في غياب الرجل الرشيد الذي يمكن أن يقودها إلى بر الأمان، العداء واللدد في الخصومة دون سبب منطقى لأسباب قد تكون عائلية في معظمها، الطائفية ما هي إلا وسيلة لاستغلال الموقف، لتحقيق الهدف، النظرية القديمة العقيمة: البحث عن عدو خارجى وقت الأزمات الداخلية.

لن يستطيع أحد العبث طائفياً بعقول الشعوب طوال الوقت، هي مغامرة غير محسوبة العواقب، المخطط خارجى ومعلن منذ سنوات طويلة، العجوز الأمريكى هنرى كسينجر سجلها تاريخياً، منذ ما بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣، قال إن الحرب المقبلة في الشرق الأوسط طائفية، كان أكثر تحديداً، قال إنها سُنية شيعية وسوف تمتد لمائة عام، كيف استطاعوا الترتيب لذلك على مدى ما يقرب من نصف قرن، كيف نجحوا في الترتيب لتنصيب حكام يقومون بتنفيذ المهمة دون أدنى تفكير؟!

المنطقة تقترب أكثر وأكثر من خط النار الذي أشار إليه كسينجر، الرؤية أصبحت واضحة خلال الشهور الأخيرة تحديداً، وداعاً للاستعمار الأجنبى البريطانى والفرنسى بصفة خاصة، تباً للغزو الأمريكى للعراق وأفغانستان على وجه الخصوص، بلاها دولة فلسطين التي مازالت تئن من نير الاحتلال، آن أوان مواجهة المستعمرات بعضها البعض، لنكن أكثر دقة: قتال المتخلفين بعضهم البعض ليس دفاعاً عن أرض، أو عرض، أو دين، أو أي شىء من هذا القبيل، هو فقط تنفيذ المخطط الخارجى بأيدى أبناء الإقليم الواحد، وقد يكون الوطن الواحد.

بدا واضحاً ألا أمل في هذا أو ذاك، الأمل في الشعوب، بعد الله سبحانه وتعالى، يجب أن ننبذ التطرف، نواجه التشدد، نعود إلى سيرتنا الأولى، علاقات متوازنة مع كل الدول، مجتمعات متسامحة لا تعنيها المذاهب، لا تأبه بديانة هذا أو ذاك (لكم دينكم ولى دين)، هو دور الأزهر في هذه المرحلة، يجب ألا ينبطح أبداً أمام الضغوط، يجب أن يعلو صوت الأزهر في مواجهة هذا التطرف القادم من الخارج، الذي تفوح منه رائحة الدماء، يجب أن تعلو أصوات الرشداء من كل حدب وصوب، لا يجب أبداً ترك الساحة لمن اعتادوا شراء الذمم، لمن دأبوا على النفخ في الكير، لمن لا يستطيعون الاستمرار أو الحياة دون مؤامرة في الداخل، أو خيانة في الخارج.