طريقة السيسى فى الحكم.. وقضايا أخرى مهمة

عمار علي حسن الخميس 14-04-2016 21:07

(1)

قبل يومين جلس الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى عدد كبير متنوع اختارتهم الرئاسة ليشرح بهم وفيهم ومنهم بعض ما خفى من قضية جزيرتى «صنافير» و«تيران» المصريتين، ومقتل الإيطالى ريجينى، وما سبق الإطاحة بحكم الإخوان.. وهلم جرا. تحدث وسمعوا صامتين، يبتسمون أحيانا ويصفقون أحيانا، ومن فيهم لديه قدر من الإباء وتقدير الذات كان يشعر بحرج بالغ إن لم يكن بالإهانة، لأنه ذهب إلى حوار، وجهز أسئلة فى رأسه أو على الورق، فوجد خطبة عصماء، كان يمكن للرئيس أن يستعيض عنها بحوار متلفز مع إعلامى موالٍ له.

الطريقة التى أديرت بها هذه الجلسة هى طريقة إدارة البلاد نفسها، فالرئيس منفرد بالقرار، لا يسأل إلا بعض أهل الثقة من أجهزته الأمنية، ويعتقد طيلة الوقت أن الشعب يجب ألا يسأله، إنما يثق فيه ويتبعه كالقطيع، مهما فعل، وأن الأحزاب السياسية والبرلمان وقادة المجتمع المدنى والكتاب ووجهاء المجتمع ليس عليهم إلا «السمع والطاعة»، وأن الإعلام لا يجب أن يناقش إنما يردد كالببغاء ما تقوله السلطة، وأن المشكلة لا ترتبط أبدًا بطريقة السيسى، الذى انتقل من المعسكر إلى القصر دفعة واحدة، فى إدارة البلاد، إنما فى عدم فهم المصريين للأمور، ووجود الفوضى الإعلامية، لاسيما على شبكات التواصل الاجتماعى.

السيسى لم يكُن رجل سياسة، ولا يزال هو يقول بنفسه: «لست رجل سياسة» رغم أنه رئيس الجمهورية، أى الرجل الذى يقف أو حتى يقعد على رأس السياسة فى مصر إن صح التعبير والتدبير. وهذا فضلا عن أنه يعكس نظرته السلبية إلى السياسة والسياسيين، فإن فيه خطأ سيدفع السيسى ثمنه بعد وقت ليس بعيدًا، وبدأت مصر تدفع الثمن من الآن، ابتداء من انفراده بتوقيع «اتفاق مبادئ» لسد النهضة أتاح لإثيوبيا أن تحصل على التمويلات المحبوسة اللازمة، ثم توقيعه اتفاقًا أعطى بمقتضاه جزيرتى «صنافير» و«تيران» للمملكة العربية السعودية.

وانفراد السيسى بالقرار، وعدم ثقته فى أى طرف مؤسسى أو استشارى، باستثناء الأجهزة الأمنية والمخابرات، هو مسألة ظاهرة، والبرهان عليها سهل، فمكتب السيسى مفرغ من أهل الاختصاص، ولديه اعتقاد جازم وحازم فى أن كل شىء مرتب فى رأسه، ولا يحتاج إلى مشورة، وهو إن كان ودودًا ودافئًا مع كل من يلتقيهم على المستوى الإنسانى فإنه غير ذلك فى التعامل مع مختلف الآراء التى تطرح عليه، حيث يعتقد دومًا أن ما فكر فيه، حتى ولو سريعًا، وأن ما عقد عليه العزم، حتى لو كان عبر الحدْس والتخيل وأحلام الليل واليقظة، هو الأصوب، والأولى بالاتباع والتنفيذ.

إن البلد به خبرات إدارية كثيرة لا تنحصر بالقطع فى العسكريين ولا رجال الأمن، والاعتقاد فى أنها مركوزة فى هذه الفئة فقط آفة تصيب بلدنا، ويستفحل خطرها فى الوقت الحالى، أو لدى أهل الحكم الراهنين، فى ظل عدم التفرقة بين إدارة الحياة المدنية التى تقوم فى جوهرها على الاختلاف، وإدارة الحياة العسكرية التى تقوم على الائتلاف، أو طاعة الأوامر.

إن طريقة «نفذ ثم تظلم» لا تصلح أبدًا فى إدارة المجتمعات البشرية، فالناس قبل أن تنفذ، يجب أن تفهم، والسلطة عليها أن تبذل ما عليها من جهد فى سبيل إفهامهم.

( 2)

كنت ممن نصحوا الأستاذ حمدين صباحى بألا يترشح ضد السيسى، لأنها ستكون انتخابات أقرب إلى الاستفتاء، وأن يمضى بدلًا من هذا فى أداء دور اجتماعى بات ملحًّا بالنسبة له. ووجدته، حتى قبل النصيحة، مقتنعًا بهذا إلى حد بعيد وعميق، لكن مناقشة جرت بينه وبين شباب التيار الشعبى قادته إلى الترشح، بعد أن قال له البعض إن السيسى قد يتصرف بعد أن يصير رئيسًا بما يجعل قطاعًا معتبرًا من الناس يلوم كل أولئك الذين تركوا له الساحة فارغة، ولم يصنعوا لهم فرصة للاختيار بينه وبين أحد غيره، ووقتها سيلومونك لوما شديدا.

جرى ما جرى، وعاد صباحى إلى الحياة السياسية بقوة بعد فترة صمت وترقب، فوجد من لا يزال يقول إنه عاد طامعًا من جديد فى الرئاسة، ولا يريد غيرها.

قبل أسبوعين وفى لقاء بالإسكندرية ضمن فعاليات «البديل المدنى» أكد صباحى أنه لا يعتزم الترشح فى الانتخابات المقبلة، واعترض عليه بعض الحاضرين من الشباب، لكنه قال إن الوقت قد حان لتقديم شخصيات مدنية جديدة، ثم عاد وكرّر الكلام نفسه فى لقاء تليفزيونى مع إبراهيم عيسى، بل أبدى رفضًا للترشح حتى على رئاسة حزب أو جمعية خيرية، وذلك فى وقت يشرف فيه على جمع تبرعات من أهل الخير لبناء مستشفى للكبد فى بلده بكفر الشيخ، وهو دور اجتماعى من الضرروى أن يتعزز، إلى جانب دوره السياسى ضمن مسار «البديل المدنى»، فالسياسة أوسع وأعمق بكثير من أن تقتصر على الرئاسة، ومساعدة الناس هى إحدى جواهرها المنسية عند كثيرين.

(3)

قيام ما تسمى «حملة دعم النقاب» بمنح تخفيضات على بعض السلع الاستهلاكية لأى امرأة منتقبة هو استغلال رخيص جديد لعوز الناس فى تكريس أشكال ورموز وطقوس يزعم المدافعون عنها أنها «فريضة دينية» وهى ليست كذلك أبدًا.

إن الأوضاع الاقتصادية طالما تم توظيفها فى نشر الحجاب والنقاب، سواء تم الأمر طواعية حين تقبل النساء الفقيرات على هذا الزى؛ اتقاء لعدم قدرتهن على مجاراة الموضة فى الأزياء، أو من خلال تحفيزهن بعطايا مادية من قبل الجماعات والتنظيمات التى توظف الإسلام فى تحصيل السلطة السياسية والثروة، علاوة على التعمية على الناس بزعم أن النقاب فريضة، بغية زيادة عدد المنتقبات بأى طريقة، لاستغلال هذا فى عالم الرموز السياسية.

هنا يجب أن نتذكر ما دفعته جماعات دينية وموسرون تابعون لها من أموال لفنانات شهيرات كى يرتدين الحجاب، وقالوا: «طالما سمعنا من قيادات فى الجماعات الدينية السياسية مباهاة بانتشار الحجاب والنقاب واعتبار ذلك إشارة إلى تمددهم فى المجتمع، ثم استغلاله فى الضغط على الجميع».

(4)

لاشك أن تصريحات رئيس الوزراء الفرنسى مانويل فالس التى وصف فيها الإسلام بأنه دين عظيم يتوافق مع قواعد الديمقراطية والجمهورية والمساواة، هى دليل على أنه يوجد فى الغرب، وعلى أرفع المستويات الرسمية، من يفرّق بين الإسلام كدين، وبين ما يرتكبه بعض المتطرفين من إرهاب باسم الإسلام.

إن فالس ينتمى إلى مسار فى الغرب يرفض الإسلاموفوبيا، ويؤمن بالتنوع، ويفهم أن كل الأديان أنتجت متطرفيها على مدار التاريخ الإنسانى، ويعتقد أن المجتمعات الغربية يجب ألا تسقط فى فخ العنصرية.

مع هذا يبقى ما يخيف وهو قول فالس «البعض لا يستطيعون تصديق ما أقوله، وآخرون فى حالة من الشك، ولكن بالنسبة لى، أنا مقتنع تمامًا بتوافق الإسلام مع قيم وقواعد الجمهورية، ولذلك أود أن أحث الجميع على تربية أبنائهم على نبذ عدائية المسلمين، وزرع حب الإخاء فى المجتمع والعدالة والمساواة فيهم»، فمثل هذا القول يبين أن رئيس الوزراء الفرنسى يدرك أن التصور المتسامح والعادل الذى يتبناه هو عن الإسلام له من يناهضونه بقسوة فى الغرب، وهذا هو وجه الخطر.