لماذا لا يحكم جوارديولا مصر ويدرب السيسي أرسنال؟

أحمد الدريني الأربعاء 13-04-2016 21:29

يمثل المدرب الإسباني بيب جوارديولا نقطة فاصلة في تاريخ كرة القدم.

ربما يؤرخ لفنون التدريب وقيادة الفرق في هذه اللعبة بما قبل جوارديولا وما بعده. هو رجل يعيد اختراع الخطط ويعيد توزيع الأدوار ويستخدم لاعبين في غير مراكزهم المعتادة ويجري تغييرات عجيبة عادة ما تأتي له بالفوز، ويترك بصمته في كل فريق يدربه.

جوارديولا يبدو أحيانًا كلاعب بلايستشن محترف وخيالي.

يجرجر الفريق المنافس إلى جانب من الملعب ثم يمرر الكرة للجانب الآخر. يبدو كما لو كان يمارس لعبة (عسكر وحرامية) أو (استغماية).

لديه هذا النزق الطفولي والخيالي غير المألوف، وتلك الشجاعة على كسر الهيبة التاريخية لخطط كرة القدم العريقة.

يخترع «المهاجم الوهمي» و«المدافع الوهمي»، ويؤسس لهجماته بذات الطريقة التي توضع بها خطط الشطرنج أحيانًا، بحيث تخنق (ملك) خصمك بعد عدد من معين من الحركات المحسوبة.

لو كان الأمر سحرًا، لما سار بهذه الطريقة الخلابة.

ولو كان درسا من دروس ميكانيكا الكم، لما انتظم على هذا النحو المثير.

حين تقلد جوارديولا مهمة تدريب برشلونة جعله كيانًا أسطوريًا، وحًول كرته إلى متعة مهلكة لمن يتابعها.. جرعة لا يقدر عليها أحد من الانتصارات والبهجة والتمكن والبراعة الخططية.

حتى لاعوه، أعادوا اكتشاف أنفسهم وأعادوا اكتشاف العلاقات فيما بينهم البين بل ربما أعادوا اكتشاف فكرة كرة القدم نفسها، كممارسة وكفلسفة وكلعبة قابلة للتجريب اللانهائي، بعكس ما يشيع دهاقنة الساحرة المستديرة.

بل حتى وهو يدرب فريقًا كلاسيكيا مميكنا كبايرن ميونخ، كان الرجل ينقل إلى صفوفه هذا السحر الذي يفعله بالكرة واللاعبين والجمهور.

هو مزيج مدهش من الجسارة والخيال والنزق.

حين يحلل عيوب الفريق الذي يدربه، يشخصها بدقة مذهلة، ويخترع لها حلولًا لا تخطر على بال الشيطان.

أحيانًا يبدو كما لو كان ينظر في بلورة سحرية أو يستقبل إلهامًا سماويًا.

هو (شيء) ما.. لكنه ليس (إنسانًا) عاديًا في الأغلب.

لذلك، وبكل ما يفعله جوارديولا في فلسفة الهجوم والدفاع.. والتحايل على الأزمات وإعادة استكشاف القدرات، كنت أتمنى أن يحكم هذا الرجل مصر.

لا يهم أن يفهم اللغة العربية، لايهم أن يكون خبيرًا في الشؤون الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية.

هذا الرجل هو الوحيد الذي حلمت بأن يجيء ليفكك كل هذا العبث الرابض على صدورنا منذ عقود.

يتخيل ويجرب ويبدع، ويتعامل مع المشاكل كما يلهو الأطفال بالدمى. فكل مشكلة لها حلٌ ما لكننا نتهيب التفكير خارج الإسار، ونتخوف تغيير (ما وجدنا عليه آباءنا عاكفين).

(2)

أرسنال فريق يحافظ على تقاليد لعبه منذ عقود.

يبني هجماته بنفس الطريقة، يستهدف تدمير واختراق دفاعات الخصوم بذات التكنيك.

لا يحقق نجاحات مبهرة، لكنه لا يتعرض لانهيارات وخسارات فادحة.

حتى في ظل تعثر منافسيه الكبار، فإنه لا يبدو قريبًا من تصدر المشهد، بمقدار ما تذهب التوقعات إلى أن فريقًا كـ«ليستر سيتي» ربما يفوز بالدوري الإنجليزي.

في لحظات الانهيار الكبرى للخصوم، لم يبرز أرسنال، بل تسلل من بين قدميه فريق صغير وزاحمه على القمة التي كان هو الوحيد المؤهل والمرشح لشغلها.

هو فريق له تقاليد مستقرة. يتبدل اللاعبون ويدور الزمان دورته، وتخترع البشرية الاتصالات الحديثة وشبكة الإنترنت وتنهار دول وتقوم دول، وتظهر داعش وتنزوي القاعدة، وتموت مارجريت تاتشر، وتلاحق الفضائح دافيد كاميرون، ويكتشف البيولوجيون عقارات طمس الذاكرة.. ولا يغير أرسنال خطته.

كلمة أرسنال تعني (الترسانة).. ولقب النادي (the gunners).. أي المدفعجية! هناك ملمح عسكري لا ينكر في هذا الفريق.

لذا كم كان يبدو لائقًا أن يتولى المشير السيسي تدريب هذا الفريق الذي يوافق مزاجه في الأمور ورؤيته لماهية الأشياء.

وبالمناسبة، مازال المدفعجية على ولائهم للقائد/ المدرب آرسين فينجر الذي يدرب الفريق منذ 19 عامًا دون التقييد بولايتين ينص عليهما الدستور.

(3)

لم يغير الرئيس السيسي طريقته في الحوار رغم الانتقادات العنيفة التي تتوجه إليه منذ بدايات حكمه.

هذه الجمل المبتسرة والقفزات غير المنطقية بين الأسباب والنتائج.

يمزج بين الشخصي والعام، ويتجاوز البديهي إلى الاستثنائي، ويخلط الأمور بعضها ببعض.

يقول إنه يحاول الموازنة بين حقوق الإنسان والإجراءات الأمنية!

أي موازنة تلك؟

الموازنة بين القبض على اللصوص والقتلة من ناحية وبين التعذيب والانتهاك وإهدار كرامة الناس من ناحية أخرى؟

الموازنة بين تأمين المواطنين.. وبين اقتياد الناس بالباطل للسجون ثم حرمانهم من أدنى ضروريات الحياة؟

حديث الجزيرتين وريجيني لا يعني شيئا ولا يؤسس لشيء ولا يفضي إلى شيء. كل ما فهمته أننا نريد نضغط (pause) ليتوقف كل شيء.

كل شيء بمعنى كل شيء.

الزمن والفعل والخيال والتصرف.

وكأننا نحيا اليوم بيومه، ونرتجل خطط بقاء تجعلنا على أفضل تقدير، مجرد تخوم لدولة مبارك.

إذا كان الرئيس السيسي لا يؤمن أو لايستوعب أن هناك ضرورة ملحة لنسف دولة مبارك بمفاهيمها وفلسفاتها في الحياة. فإنه كـ«فيلد مارشال» بمقدوره الاستمتاع باجترار الماضي من على دكة المدفعجية في أرسنال.

بينما ننتظر نحن أن يمن الله علينا بجوارديولا.