أعتقد أن أهم حقوق الشعب هو أن يكون على دراية بما يدور حوله من قضايا سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وكل شىء تقريباً، فلا يعقل أبداً أن يحصل أى مواطن فى أى قطر ما على أخبار بلاده من مصادر خارجية، أو من إذاعات وتليفزيونات أجنبية، وبصفة خاصة فى ظل ذلك التطور المعرفى الحاصل فى العالم الآن، والذى لم يجعل هناك شاردة ولا واردة إلا ولاكتها التحليلات والتكهنات والألسنة بصفة عامة.
فى ستينيات القرن الماضى، حيث سد الحنك طوال الوقت، وسد الأُذن أحياناً، كان المواطن المصرى، بل العربى بصفة عامة، ينتظر بلهفة النشرة الإخبارية لإذاعة دولة الاحتلال إسرائيل، ليقف من خلالها على أهم أحداث بلاده، بل المنطقة، بالتأكيد هى كارثة، إلا أنها الحقيقة، كانت نشرة أخبار إذاعات الـ بى. بى. سى، أو مونت كارلو، أو صوت أمريكا ذائعات الصيت أيضاً، فى ظل تعتيم إعلامى غريب على أى شىء وكل شىء.
هذه الحالة كانت السبب المباشر فيما وصلت إليه مجتمعاتنا من تخلف معرفى، وثقافى، وسياسى، واجتماعى، أدى فى نهاية الأمر إلى هزائم معنوية وصلت إلى حد المرض العضال، وهزائم على أرض الواقع غير مسبوقة دولياً، وعسكرياً بصفة خاصة، ناهيك عن التمزق والتشرذم الذى مازال يلقى بظلاله حتى الآن، ليس داخل الوطن العربى كمنظومة، وإنما داخل كل دولة على حدة.
هذه القضية بكامل أبعادها تطرح نفسها الآن أمامنا، ربما من خلال كل القضايا ذات الأهمية، والتى تمس صميم المواطن، وتشغله فى يومه وغده، والتى كان آخرها الاتفاقية البحرية بين كل من مصر والسعودية، أو ما يعرف بعملية التنازل للسعودية عن جزيرتى تيران وصنافير بالبحر الأحمر، وهى القضية الأزمة التى أحدثت دويًا هائلاً فى المجتمع المصرى، ليس بسبب التسلسل السريع للأحداث فقط، وإنما لتواترها عن طريق أنباء كان مصدرها أولاً وأخيراً تصريحات خارجية، أو حتى سعودية، ولم يدخل التصريح الرسمى المصرى على الخط ببيان لتوضيح الحقيقة، إلا بعد يومين من الشد والجذب بين المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعى.
نفس الحالة، ما يتعلق بالتوقيع على اتفاقية أو إعلان مبادئ سد النهضة الإثيوبى، رغم أننا هنا نتحدث عن أمر يتعلق بمستقبل الدولة المصرية، مستقبل المواطن، كما مستقبل الزراعة، كما مستقبل الصناعة، باختصار: مستقبل الحياة على أرض مصر، إلا أن ما تم التوقيع عليه، لم يتم طرحه بأى حال للحوار المجتمعى، بل لم يتم نشره كاملاً للرأى العام حتى الآن، وهو الأمر الذى جعل المواطن، بل وسائل الإعلام لدينا، تستقى معلوماتها من المصادر الإثيوبية دائماً، وفى بعض الأحيان من وزراء الرى والمياه السابقين لدينا، الذين حذروا طوال الوقت من عملية التوقيع هذه، إلى أن وجدنا أنفسنا أمام الأمر الواقع، كشعب لا حول له ولا قوة.
تكرر نفس الأمر مع التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بالبحر الأبيض المتوسط، مع كل من اليونان وقبرص وإسرائيل، والتى وردت المعلومات بشأنها من المصادر الأجنبية أيضاً، أن مصر تنازلت عن حقها فى واحد من أكبر حقول الغاز هناك، دون توضيح مقنع من السلطات المعنية لدينا فى هذا الشأن أيضاً حتى الآن.
الغريب ما فوجئنا به خلال الأيام الأخيرة عن تداول الشيكل الإسرائيلى ببعض البنوك الوطنية، واعتماده رسمياً بالبنك المركزى، دون توضيح رسمى مسبق، أو حتى متأخر حول هذا الموضوع، أو جدواه ومغزاه، ولماذا فى هذا التوقيت، ومدى نفعه وضرره؟، إلى غير ذلك من علامات استفهام كثيرة مازالت تطرح نفسها بقوة.
ربما كانت هذه السياسات الغامضة، أو هذا التكتم الشديد تجاه قضايانا الأكثر أهمية، والتى كان يجب أن تكون الشفافية عنواناً لها، هى السبب الرئيسى فى كل تلك الشائعات المثارة، حول ملابسات مقتل الشاب الإيطالى ريجينى، والتى وصلت إلى حد عدم التعاطف مع الموقف الرسمى أحياناً، كذلك الحال بالنسبة لحلايب وشلاتين، وهى القضية المطروحة أيضاً طوال الوقت، وأصبح من حقنا أن نخشى عليها من أى مفاجآت، إضافة إلى ما تتداوله وسائل الإعلام الإسرائيلية حالياً حول أطروحات مبادلة الأراضى بين سيناء والنقب.
القيادة السياسية أيها السادة هى مجرد وكيل عن الرعية فى الإدارة، لا يجوز لها بأى حال منح نفسها سلطة التصرف بمنأى عن الرعايا، أو اتخاذ أى قرار رغماً عنهم، أو ليس نزولاً على إرادتهم، وهو الأمر الذى يحتم إعادة النظر فى منظومة السلطة ككل، من خلال العودة إلى تعريفات الحكم الرشيد، والالتزام بالضوابط المعمول بها فى الديمقراطيات الحديثة، وهى أبسط حقوق الشعب، أى شعب.