زياد الدريس يكتب: لا يشغلكم الجسر الأصغر عن الجسر الأكبر

اخبار الأربعاء 13-04-2016 21:30

رغم اكتظاظ برنامج زيارة الملك سلمان إلى مصر باللقاءات والفعاليات والقرارات والاتفاقيات المتنوعة فى مختلف الشؤون والاهتمامات السعودية- المصرية، فإن الاهتمام الإعلامى الخاص والشعبى انشغل كثيراً بالجدل الدائر حول الجسر البرى، الذى سيُشيد على البحر الأحمر بين السعودية ومصر، ثم طغى على هذا بالطبع الانشغال باستعادة (أو إعادة) جزيرتى تيران وصنافير من السيادة المصرية إلى الملكية السعودية.

أتفهّم تماماً انشغال أى شعب بفقدان مترٍ واحدٍ من أرضه، فكيف بجزيرتين حساستين فى موقع استراتيجى بالغ الأهمية؟ لكن الأمور أصبحت واضحة الآن لمن يبحث عن الحقيقة، أما من يبحث عن التشويش فلن يتوقف مهما سُقتَ له من أدلة وبراهين.

هذا الجدل الذى بلغ درجة من التناحر والتراشق كاد يغيّب الوعى بأبعاد زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى مصر، ثم من بعدها مباشرة إلى تركيا، رغم ما لا يخفى من التوتر والقطيعة بين الجمهوريتين.

من هو الزعيم العربى الذى يستطيع الآن أن ينتقل من مطار القاهرة إلى مطار أنقرة أو العكس، من دون ترانزيت ترضية؟!

لا يستطيع أن يتجاوز العثرات والعوائق الدبلوماسية فى الطريق بين قوتين عظميين متخاصمتين فى المنطقة، إلا زعيم دولة عظمى ثالثة فى المنطقة أيضاً. وما أقوله هنا ليس من الإطراء الرخيص، فمن يستطيع أن ينكر أو يتغافل عن الثقل الاستراتيجى للسعودية ومصر وتركيا فى هذه المنطقة، ودور الدول الثلاث فى ضبط درجة الحرارة السياسية للرجل (المتوتّر): الشرق الأوسط؟!

وسواء حمل ملف الزيارتين الملكيتين مساعىَ للوساطة بين الشقيقتين أم لا، فإن رمزية الزيارتين المتواليتين تعطى دلالة عن الثقل السعودى المتصاعد فى المنطقة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، رغم التحديات المحلية والإقليمية والدولية المتكالبة على العالمين العربى والإسلامى.

كما أن الزيارتين التاريخيتين والحفاوة البالغة فى العاصمتين الكبيرتين تقدمان برهاناً على أن السياسة السعودية ترتقى فوق الحسابات الأيديولوجية التى يظن المتورطون فيها أنها هى الشغل الشاغل للجميع. فقبلة المسلمين، وكما كتبتُ مراراً، أكبر كثيراً من أن تنجرّ إلى صراعات حزبية مستهلِكة للوقت والجهد. هى لن تتوانى فى أن تكون طرفاً وسيطاً لتحقيق المصالحة ورفع الظلم، لكنها لن تتورط فى أن تكون طرفاً ثالثاً فى الصراع.

الجسر التوافقى الذى تصنعه زيارات الملك سلمان بين دول المنطقة هو الجسر المعنوى الكبير الذى ينبغى ألا ننشغل عنه وعن أبعاده الاستراتيجية بالجسر الحسى الصغير.

كاتب سعودى

نقلا عن صحيفة «الحياة» اللندنية