مصر والسعودية

حلمي النمنم الثلاثاء 12-04-2016 21:23

منذ وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ملك المملكة العربية السعودية، وتنصيب الملك سلمان بن عبدالعزيز، وهناك تحريض وتعمد إثارة الشغب فى العلاقات بين مصر والسعودية، ولا يمكن لمصرى إلا أن يشعر بالامتنان لموقف المغفور له جلالة الملك عبدالله مع جموع المصريين بعد ثورة 30 يونيو وكذلك موقف سمو الأمير سعود الفيصل رحمة الله عليه، وزير الخارجية السعودى، خاصة بيان جلالة الملك عبدالله عصر يوم 14 أغسطس 2013، بعد أن ظهر الدواعش حول مسجد الفتح بميدان رمسيس، والذى أعلن فيه دعمه ودعم المملكة الكامل للشعب المصرى، وتحذيره فى ذلك البيان الجسور أولئك الذين يحاولون أن يعبثوا فى الشأن المصرى، سواء كانوا من داخل المنطقة أو من خارجها.

المحرضون أرادوا أن يجعلوا هذا الموقف وكأنه استثنائى.. وخاص بالملك عبدالله وحده، وليس موقفاً للمملكة، ونسى هؤلاء أن جلالة الملك سلمان كان فى أغسطس 2013 ولياً للعهد، ومن ثم شريكاً كاملاً فى هذا الموقف.

يتحمل الجانب الأكبر فى عملية التحريض جماعة الإخوان الإرهابية لأسباب معروفة، تتعلق بكونها جماعة إرهابية تراهن على أن يكون هناك فتور وخصومة فى العلاقة بين البلدين، فضلاً عن بعض الأطراف فى مصر والسعودية، من أولئك الذين يضعون أنفسهم موضع الملكيين أكثر من الملك، ولاحظت أن بعض هؤلاء يتعمدون فيما يكتبون الإيحاء بأن كلاً منهم مقرب من دائرة صنع القرار فى الرياض أو فى القاهرة، ومن ثم ينتقل الإحساس للمتلقى بأن الكاتب أو المتحدث لا يعبر عن رأيه هو بقدر ما يعبر عن رأى «الدولة».

والواقع أن أفضل توصيف لهؤلاء أنهم كالدببة، حتى لا أصفهم بتعمد تدمير العلاقة بين الدولتين والبلدين المتجاورين جغرافياً والمرتبطين اجتماعياً وسياسياً وثقافياً.

ولأن معظم هؤلاء ينطلقون من أطر نظرية صرفة، ولا يدركون الواقع جيداً، أثاروا قضايا تعنيهم هم، وأصروا على أن يلصقوها بالواقع، من ذلك إصرار أحدهم على أن ما يعكر العلاقة بين البلدين أن القاهرة تصر على أن تكون الدولة الرائدة والقائدة للمنطقة العربية، ولا تعترف لغيرها بدور، والحق أن هذه القضية لم تكن مطروحة يوماً على أرض الواقع، القاهرة اختيرت مقراً لجامعة الدول العربية برضا تام من الزعماء العرب، ولم يفرض الملك فاروق ولا رئيس الوزراء مصطفى النحاس (باشا) ذلك عليهم، ولا طرح الأمر للنقاش أصلاً.

الواقع العربى يحتمل ويتطلب أن تكون كل الدول العربية قوية ورائدة، وزمن الدولة القائدة لمن حولها والمتفردة بكل شىء، ولَّى، الاتحاد السوفيتى سقط، الولايات المتحدة فى ظل إدارة أوباما تنسحب وتتخفف من الكثير مما كانت تقوم به، بعد فشلها الذريع فى العراق وفى أفغانسان، أوباما يريد أن يتملص حتى من حلفائه فى أوروبا.

وأمامنا الاتحاد الأوروبى، فيه فرنسا وألمانيا، وفى زمن سابق كانت بينهما حروب عسكرية مريرة، ومع ذلك فإنهما اليوم معاً فى الاتحاد الأوروبى ولا نسمع عن مفاضلة بينهما أو حديث عن أيهما له السبق أو الأفضلية، بالتأكيد لدى كل دولة ما يميزها وما قد لا يتوفر لدولة أخرى، لا توجد دولة بلا ميزة، طبيعية أو سياسية، وتمتع دولة معينة بميزة لا ينتقص من الأخرى، ولا يحد من قدرها، لدى مصر آثارها العظيمة منذ العصر الفرعونى.. الأهرامات.. أبو الهول.. معبد الأقصر.. وأبو سمبل، وغيرها وغيرها، ولدى مصر ميراث الدولة المدنية الحديثة منذ عهد الوالى العظيم محمد على، ولا يزعج ذلك المملكة العربية السعودية ولا يهز مكانتها.

لدى المملكة العربية السعودية الحرمان الشريفان، البترول سينضب يوماً، وتتهاوى أسعاره وتنخفض قيمته السياسية، لكن الحرمين الشريفين باقيان، وهذا ما يضمن للمملكة العربية السعودية تميزها.

ولا ينتقص ذلك من قدر مصر ولا من دورها.

هذا فقط مجرد نموذج للتصورات الموغلة فى طابعها النظرى أو النفسى للقائلين بها.

الأمة العربية فى حال لا تسمح لها بهذا الترف النظرى، الحكام الذين انشغلوا بالزعامة وتصوروا أن دور مصر سقط، وأن عليهم القفز مكانها، انتهى بهم الحال إلى ما نعلم، وقادوا بلدانهم إلى مصير غير حميد، نموذج صدام حسين ومعمر القذافى واضح للجميع، لا تحتمل أمتنا صراعاً ولا مناوشات من هذا النوع، أحدثت المكايدات الصغيرة وأفكار النميمة الكثير من الجراح فى الوجدان العربى، وآن لنا أن نكف ونتوقف عن ذلك، فكل دولة قوية ومتماسكة هى إضافة للرصيد العربى، الذى يكاد ينفد، وهذا هو المعنى الأبرز لزيارة جلالة الملك سلمان لمصر هذا الأسبوع.