(1)
ما الذى يحدث؟ شىء لا يصدقه عقل. الإخوان يستشهدون بفيديوهات عبدالناصر زعيم الستينيات، وما أدراك ما الستينيات! ومؤيدو السيسى يستشهدون بتغريدات عمرو حمزاوى ومقال البرادعى، وكلاهما فى عرف السيساوية خائن وعميل، والمعادون للنظام يترحمون على أيام مبارك المخلص الذى لم يفرط فى شبر أرض، بل دافع عن حق مصر فى طابا وتمسك بها، وحزب الكنبة يضربون «أخماس فى أسداس»، لا يعرفون أين الحقيقة، ومن صاحب الحق فى تيران وصنافير اللتين لم يتردد اسمهما من قبل.
أبواب الجحيم فُتحت على مصراعيها، صراعات تحيط بنا وصراعات بيننا وصراعات حولنا، وكأننا نعيش فى بؤرة إعصار مدمِّر يطيح بكل ماعرفناه واعتدنا عليه.
(2)
الحديث عن إعادة تشكيل المنطقة ليس بجديد، الجديد أن السعودية أدركت أن غابة بيرنام أوشكت على التحرك من مكانها، السعودية مؤخرًا بدأت تتخلص من بطء ردود أفعالها، وتصبح أكثر جرأة وقدرة على الفعل، لم تنتظر أن تتحقق الهزيمة الكاملة كما حدث لماكبث، لكن جاءت للقاهرة لتبحث عن حل لمأزق يطال البلدين.
الدولة المصرية لديها مشكلة حقيقية مع أطرافها، خاصة سيناء، أرض الفيروز التى تفرِّخ الآن إرهابًا قد يطول عمره لسنوات، حتى لو تم عزل الإرهاب فى بؤر محددة فإن آثاره واسعة المدى، مصر تخسر صورتها كبلد الأمن والأمان وتتعثر فى تعمير سيناء فى ظل هذه الظروف الأمنية السيئة، والضحية أبناء سيناء الذين يفتقدون الأمن والرزق معًا، أخطر ما يواجه أى دولة أن تتيبس أطرافها ويعجز الدم عن الوصول إليها، خطر الجلطات قد يصيب القلب.
المملكة السعودية أيضًا لديها مشاكلها، فهناك إيران ونظام الأسد والحوثيون وشيعة البحرين والمنطقة الشرقية ومكائد قطر التى تلعب دور «ياجو» الذى يؤجِّج الفتن ولا يأمن أحدٌ حسدَه.
(3)
الشرق الأوسط به أزمة مقيمة وأزمات زائلة مهما اشتدت حدَّتها، القضية الفلسطينية أزمة مقيمة، رغم تهميشها نتيجة تفاقم الأزمات الأخرى الأكثر إلحاحًا، لكنها ستظل دائمًا وأبدًا القضية الجوهرية والجمرة المشتعلة، وإن أرادت الدول العربية الشرق أوسطية ربيعًا حقيقيًّا واستقرارًا فلابد من حل هذه المشكلة المستعصية حلاً نهائيًّا، وكانت هناك محاولات من السعودية لكنها لم تنجح نتيجة تعنت الجانب الإسرائيلى وشروط السعودية.
(4)
أمريكا لم تعد لديها رغبة فى أن تُبقى على كل أوراق اللعبة فى حوزتها، تريد أن تتخلص من أعباء المنطقة، إدارة أوباما خذلت السعودية مرتين، مرة حين لم تستخدم القوة مع نظام الأسد والثانية فى الملف النووى الإيرانى، السعودية أدركت أن عليها أن تجد حلولاً بعيدًا عن الكفيل الأمريكى.
(5)
التطبيع مع إسرائيل، وإيجاد حل للقضية الفلسطينية، واستقرار مصر والسعودية، والحرص على أمنهما القومى، والحرب على الإرهاب.. كلها ملفات متداخلة ومتشابكة، وأتصور أن هناك تخطيطًا لم يُفْصِح عنه الجانب المصرى ولا السعودى أكبر بكثير من موضوع جزيرتى: تيران وصنافير، يضم دولاً أخرى، منها الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية وحماس، وجسر الملك سلمان جزء من هذا المخطط الذى سيُغيِّر خريطة المنطقة ومناطق النفوذ.
إسرائيل، بالنسبة لمعظم الحكومات العربية، لم تعد العدو الأكبر الذى علينا مجابهته، بل تأتى فى مرتبة متأخرة بالنسبة لدول أخرى تسبقها فى العداوة والكراهية، ولقد دعا ضاحى خلفان لعدم قيام دولة فلسطينية والاكتفاء بدولة إسرائيلية تضم الفلسطينيين واليهود، كما تحدث عن ضم إسرائيل للجامعة العربية، وهو لا يتحدث اعتباطًا.
(6)
التغيير قادم لا محالة، قادم دون مقدمات تسمح لنا باستيعاب التقلبات فى الثوابت التى تربينا عليها، وأصبحت جزءًا من مفاهيمنا وعقيدتنا، أمريكا وكوبا مثلاً.
العالم يُعاد ترتيبه وفق نظام جديد، لم نعتد عليه، وربما سنظل ساخطين لفترة قد تطول أو تقصر، ولكن ذلك لن يغير من الأمر شيئًا، فنحن لا نملك القوة ولا الإرادة.
ما يدهشنى حقيقةً أنه بالرغم من هذه التغيرات الكبرى الإجبارية، مازال الرئيس السيسى يعاملنا على قديمه، بنفس أسلوب رؤساء القرن الماضى، الرئيس الأب الذى يريد مصلحتنا ويخاف على مستقبلنا، وعلينا السمع والطاعة، وعمل توكيل رسمى عام له للتصرُّف كما يحلو له فى كل ما نملك وندير.
ولكن.. العالم الجديد سيفرض قوانينه على الكبير والصغير.. استعدوا له.
ektebly@hotmail.com