هل يناصر الأزهر الدواعش؟!

وليد علاء الدين الإثنين 11-04-2016 22:50

هل ينبغي علينا أن ننتظر فتوى من علماء الإسلام قبل أن نحدد موقفنا «الأخلاقي» من القضايا والأمور؟

بالطبع لا ينبغي علينا ذلك، أو يُفترض ألا يكون الأمر كذلك، حتى بالنسبة إلى هؤلاء الذين يتعاملون مع الأديان كأنها كتيبات تعليمات. وما أكثرهم!

هذا السؤال أثاره عندي إصرار مؤسسة الأزهر على اعتبار «داعش» من «أهل القِبلة» وبذلك «لا يجوز تكفيرهم» (!)

شيخ الأزهر عالم جليل، وقادر بلا شك على أن يفتي في شؤون الإسلام.

رأى كثيرون في فتوى شيخ الأزهر حصافةَ العالِم الذي لا يريد أن يتحول التكفير إلى «موضة» فيصير كل من قام بجريمة كافرًا وتشيع الفوضى، وينتج عن ذلك قتل الناس بعضهم بعضًا (!)

ولكن الحصافة كذلك تستدعي الانتباه إلى الآثار السلبية التي يمكن أن تنجم عن تلك الفتوى، أو قل هذا الرأي الذي اكتفى بتبرئة الدين من أعمالهم!

هذا الرأى يبدو أنه اكتفى من الأمر بمجرد رفض «المرجعية الفقهية» التي استندت إليها «داعش» في تأسيس منهجها وما ارتبط به من أعمال!

وبذلك تساوت «داعش» مع غيرها من جماعات يختلف الأزهر مع مرجعياتها الفقهية من دون أن يُخرجها من الدين.

ووفق أبسط مقارنة يجريها الرجل العادي، تصبح «داعش»- بكل ما تقوم به من انتهاكات إنسانية وأخلاقية- أفضل من طوائف مسالمة ومتحضرة نعرف أن الأزهر لا يقبلها داخل حظيرة الإسلام.

جماعة «داعش» ليست- فقط- عصابة لصوص من الخارجين على القوانين، (وهم كذلك) لكن المعضلة أنهم يرتكبون جرائمهم (منها القتل وترويع الآمنين والاعتداء على حريات الناس وسلب ممتلكاتهم وغيرها) مستندين إلى فتاوى وتفسيرات وتأويلات لنصوص من القرآن الكريم وتراث الدين الإسلامي من الأحاديث وقصص السلف. وهو الأمر الذي انتظر معه الناسُ رأيَ الشيخ الأكبر، الذي فكَّر وتدبَّر ثم لم ير ما يستدعي إخراجهم من «حظيرة الإسلام» (!)

يرى البعض أن مشكلة الأزهر تكمن في ميله التاريخي لفكرة الخلافة الإسلامية، لذا فإنه يخشى أن يرى الناس في فتوى منه بتكفير «داعش» حجة للخوض في هذا الأمر، فمن الأسلم إذن رفض «ممارساتهم» من دون تكفيرهم، لتبقى الخلافة الإسلامية حقًّا ويظل الجهاد فريضة وتبقى محاربة العدو الكافر واجبة.. وما عدا ذلك «تفاصيل»، منها الطريقة التي تقوم بها داعش بالأمر أو ربما عدم مناسبة الوقت (...)!

لا نتوقع أن تنجح فتوى من الأزهر بتكفير الدواعش في إيقافهم عند حدهم ولا ردعهم عن غيهم، ولا أن يؤثر وصف فضيلة الإمام الأكبر لأعمالهم بأنها ليست من الإسلام في نفوسهم فتتحرك مشاعر «أمير المؤمنين» وترتعد أوصاله من خشية الله؟ لأن الأزهر- المتحدث الرسمي باسم الإسلام- حدد مصيرهم إلى جهنم وبئس المصير، فيسارع بإعلان التوبة وطلب العفو والمغفرة؟ بالطبع لن يحدث ذلك.

لا نتوقع كذلك أن تُحرك فتوى الأزهر الجيوش والأساطيل الإسلامية لمحو هؤلاء الكفار من الوجود، باعتبارهم «كفارًا معتدين» يجب على المسلمين محاربتهم وإعمال السيف فيهم؟ فلا جيوش ولا أساطيل ولا يحزنون.

لا ضرر حقيقي يُرجى أن يعود على «داعش» من تصريح الأزهر بخروجهم عن الدين الإسلامي، فماذا عن عدم التصريح!

عدم تصريح الأزهر بخروج الدواعش عن الملة من شأنه أن يُربك رجل الشارع البسيط، سواء من المسلمين الذين يستمدون جُلَّ أمانهم في الحياة من انتمائهم إلى دين لا يعرفون عنه سوى السماحة والسلام والخير، أو غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى الذين لا يعرفون عنه كذلك سوى ما يرونه من هؤلاء المسلمين البسطاء الطيبين.

فماذا عن المكاسب الافتراضية التي يمكن أن تجنيها- أخي المسلم أختي المسلمة- من تكفير الأزهر لداعش؟

أول هذه المكاسب أن يطمئن قلبُك إلى أن ما يفعله هؤلاء المجرمون ليس «مجرد اختلاف في فهم الإسلام» كما توحي فتوى الأزهر، بل إنه «خروج كامل» عن كل قواعد الخير ومنظومة الأخلاق التي عشت عمرك معتقدًا أنها جزء أصيل من الإسلام؛ فالإسلام لا يُجامل في مثل هذه القضايا!

هذا هو المكسب الأول الذي سوف يمنعك من أن تفعل مثلهم، فإذا كانوا- رغم كل ما فعلوه- ما زالوا تحت مظلة الإسلام، فلا بأس في أن تأخذ راحتك قليلًا أو كثيرًا في اختراق قوانين الإنسانية والأخلاق، فلا شك في أنك ستظل داخل حظيرة الدين، الذي لم يُخرج هؤلاء- رغم كل ما فعلوه- عن حظيرته (!)

أما المكسب الآخر، فهو شعورك بالقوة أمام جارك «الجهادي» حين يصفك بالتقاعس والجبن وعدم الرجولة- على الأقل- ثم التقصير في حق دينك أو الخروج عنه؛ لأنك لا تناصر «دولة الإسلام في العراق والشام»، باعتبارهم «أهل الخلافة الإسلامية الذين يخوضون الحرب ضد الكفر والإلحاد من أجل إعلاء كلمة الإسلام».. بدلًا من أن تتمنى لو أن شيخ الأزهر لم يترك ظهرك عاريًا وأعلن كفر هؤلاء الناس، لترد عليه بهدوء المسلم الصالح لتخبره: الإمام الأكبر شيخ الأزهر أقدم مؤسسة دينية وأعرقها أعلن أنهم هم الخارجون عن الإسلام.

في الواقع لا أفهم من الأساس سر الإصرار على تقسيم الناس إلى مسلم وكافر، وانتظار فتوى من شيخ الأزهر لنحدد بها موقفنا من قضايا تحكمها بوضوح قواعد الأخلاق والإنسانية، إنه نوع من الهروب النفسي عبر تصنيف الآخرين واستسهال الحكم وفق النمط، وليس في ذلك أي عمل حضاري إيجابي. فالدواعش ليسوا كفارًا، وليسوا مسلمين، هم مجرمون ضد الإنسانية والتحضر علينا أن نواجههم على هذا الأساس.

ولكن كيف لهذا الفكر الإنساني أن يسود وبعض الإحصائيات تقول إن بين كل خمسة رجال واحدًا على الأقل يناصر فكر «الدواعش» باعتبارهم من يعيدون مجد الخلافة الإسلامية، وأن امرأة بين كل ثلاث نساء ترى فيهم جيشَ صلاح الدين!

tweeter@waleedalaa