الجزيرتان.. بين خطأ التوقيت وجريمة التعتيم!!

عباس الطرابيلي الإثنين 11-04-2016 21:05

لا حديث لكل المصريين - داخل وخارج مصر - إلا عن جزيرتى صنافير وثيران، ليس عن الجسر المقترح للربط بين مصر والسعودية، ولكن عن هاتين الجزيرتين.. وهل هما مصريتان.. أم سعوديتان، أقصد عن السيادة عليهما.. والمؤلم فى القضية من هذه الناحية ما يقال عن أن مصر لا يجوز أن تبيع أراضيها.. بل هناك من قال: إذا كان هدف زيارة الملك سلمان لمصر هو دعم الرئيس السيسى.. فإن نتيجتها هى انخفاض شعبية الرئيس بسبب ما يراه - هؤلاء - أنه باع الجزيرتين ليحصل على الدعم المالى السعودى.

ولكن ما وصل إليه هؤلاء سببه «عنصر المفاجأة» إذ فوجئ كل المصريين بحكاية الحدود البحرية.. فجاء الكلام عن الجزيرتين مرتبطاً بالحديث عن الدعم المالى السعودى.. وحجم الاستثمارات السعودية المطروحة لدعم الاقتصاد المصرى، ولكننى أرى أنه إذا كانت الحكومة المصرية مسؤولة 100٪ عن هذه المفاجأة.. فإن الإعلام المصرى - الرسمى والخاص - مسؤول بنسبة 1000٪ عما حدث، ومازال يحدث.

ذلك أن الإعلام - لأنه فوجئ تماماً بالحديث عن السيادة السعودية على الجزيرتين - فإنه لم يستطع أن يشرح للناس حقيقة الموقف بأمانة أو أى شفافية.. ثم إن غياب المعلومات الحقيقية والدقيقة أمام كل الإعلاميين جعل هؤلاء يتخبطون.. ويهرولون بحثاً عن أى معلومة، قد تنير الطريق أمامهم، ولأن الإعلاميين يسعون دائماً إلى السبق الإعلامى فإنهم اندفعوا إلى الخطأ.. واعتبار أن مصر باعت الجزيرتين مهما كان الثمن.. ونسوا كلهم أنهم فى موضوعات الأمن القومى لا يتوقعون «معلومة صحيحة» من السلطة.. فما بالنا الآن والقضية تهم الأمن القومى العربى أكثر مما تهم الأمن القومى لمصر وحدها.. فضلاً عن الوضع مع العدو الأكبر لنا وهو إسرائيل.

ولكننى هنا «ألوم» الجانب المصرى على هذا التعتيم الذى جاء متعمداً بشكل صادم لكل المصريين.. حتى الذين استشهدوا بخطاب الرئيس عبدالناصر، عقب العدوان الثلاثى، من أنه يصر على استعادة الجزيرتين، وفهم الناس أنه يقصد استعادتهما للسيادة المصرية.. ولكن لأنه قال ما معناه بين السطور إن الجزيرتين ذهبتا وهما تحت الإدارة المصرية.. ولذلك يجب استعادتهما لهذه الإدارة حتى لا يقال إن مصر «فرطت» فى هذه الأمانة.. وللأسف مهما حاول أى مسؤول توضيح الصحيح فى هذه القضية فإن الانطباع الأول نجح فى تصوير الأمر وكأن هناك من يحاول «تغطية خطأ ما» أو تخطى «جريمة ما».. وهذا ما نجحت الأطراف المعادية للرئيس السيسى أو للنظام كله فى استغلاله بنجاح كبير.. وتعرض الرئيس لكل هذه السهام المسمومة، خصوصاً أنه لم يصدر عن مصر ما يرد هذه السهام.. والسبب هنا: هو هذا التقصير الإعلامى.

وأرى أن كثيراً ممن يعملون الآن فى هذا الحقل ليست لديهم المعرفة الكافية لأبعاد القضايا العميقة، أو ذات البعد التاريخى.. ثم لأن معظمهم يلجأون إلى وسائل المعلومات الحديثة مثل جوجل ومعلوماتها هنا ليست دقيقة تماماً.. ثم لأن معظمهم شباب صغير السن والخبرة.. لأنهم يتعجلون أى يحلمون بالسبق الإعلامى.. «ويلّه.. اقلب».. وهم نوع من الإعلاميين كنا نطلق عليهم «صحافة آلو..»، أى الذين يستمدون معلوماتهم من خلال أجهزة التليفون.. وليس بالبحث فى الكتب والمراجع ودوائر المعارف وغيرها.. وأقسم أننى أعلم حقيقة الجزيرتين من عام 1950 وأنا طالب بالمدرسة الثانوية، وأن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل، ملك السعودية، طلب من مصر تولى مسؤولية الدفاع عن الجزيرتين، إذ كانت السعودية - أيامها - لا تملك القدرة على ذلك.. وعرفت ذلك، وكيف أن النحاس باشا، رئيس وزراء مصر، وافق على الطلب السعودى، وكل ذلك قرأته فى صحيفة «المصرى» القديمة التى كانت تعبر عن رأى حزب الوفد ويرأس تحريرها الأستاذان أحمد وحسين أبوالفتح، وذلك فى شهر يناير 1950، وفى مكتبتى الخاصة من المراجع ما يؤكد سيادة السعودية على الجزيرتين.. ويؤكد إدارة مصر لهما من هذا الوقت.. وفرق بين السيادة.. والإدارة.

هنا تعود إلى الذاكرة قضية مثلث حلايب وشلاتين وأبورماد التى كان لى شرف إثارتها وأثبت - فى صحيفة الوفد - أن هذا المثلث حق مصرى خالص انطلاقاً من منطق السيادة المصرية على المثلث.. وأن وزير داخلية مصر عام 1898 - واسمه بطرس باشا غالى - منح حكومة السودان المصرية الإنجليزية سلطة الإدارة لهذه المساحة.. وظلت هناك «السيادة المصرية» مع خط عرض 22 شمالاً.. مع سلطة إدارة حكومة السودان لهذه المساحة.. ولكن «سلطة الإدارة» لم تلغ سلطة السيادة.. ونجحتُ فى حملتى هذه فى دفع الحكومة المصرية لاستعادة سلطة الإدارة.. لتنعم المنطقة بالسلطتين المصريتين معاً: سلطة السيادة.. وسلطة الإدارة.

■ ■ وهذا نفس ما جرى مع صنافير وثيران، خصوصاً أن كل الخرائط والوثائق تؤكد السيادة السعودية.. ولا تنفى الإدارة المصرية.. وبناءً على ذلك تعود السيادة السعودية للجزيرتين بالكامل.. أما التوقيت والمفاجأة فهو غير السليم الذى أثار كل هذا اللغط.. والغلط، فضلاً عن الصيد فى هذا الجو «العكر» للإعلان عن ذلك.. وربطه البعض بالمساعدات السعودية.. ليظهر الأمر.. وكأن مصر تتنازل عن الجزيرتين مقابل هذه المساعدات.