الجسد الحرام فكرة متوهجة أطفأها الشريط السينمائى

طارق الشناوي الأحد 10-04-2016 21:16

الجسد كان هو مفتاح الفيلم. أخذ الكاتب والمخرج خالد الحجر من تلك الفكرة اللمحة الأولى فقط، خطوة واحدة ولم يكملها، يقولون فى تفسير الإبداع إن الآلهة تنعم علينا بمطلع القصيدة وعلينا نحن أن نكمل الباقى، وكان الحجر يبدو لى وكأنه اكتفى بما منحته له الآلهة.

السيناريو يطرق الباب على تنويعات للعلاقة بالجسد متعدد المستويات، فى بعده الأول عندما يتدثر بغطاء شرعى يحميه المجتمع وقبل ذلك ترضى عنه السماء لأنه موثق بعقد، وهكذا من الممكن أن تجد علاقة ناهد السباعى بزوجها الذى أدى دوره محمود البزاوى العاجز جنسيا، ولدينا جسد آخر تحركه الرغبة والاحتياج الطبيعى وهو الذى يجمع بين ناهد والوجه الجديد أحمد عبدالله محمود. إنه العشق المحرم حتى بعد أن يتمكن العاشقان من الحصول على وثيقة قانونية لأن الدنس يلاحقهما، الوجه الثالث للجسد يفرض حضوره فى علاقة ناهد وزكى فطين عبدالوهاب، الثرى صاحب المزرعة الذى مارس الابتزاز واستحوذ عنوة على جسد ناهد، حيث منحت له نفسها خوفا من الفضيحة والسجن.

ثلاثة رجال وامرأة واحدة، تم عزل الشخصيات الرئيسية الأربعة داخل تلك المزرعة، القصة السينمائية ترتكز على أننا نعيش داخل أرض زراعية للثرى زكى ترى فيها من خلال ملامحه وأسلوبه التقليدى الذى يصل إلى حدود البلادة فى التعبير وكأنه يحاكى كل الشخصيات التى تعايشنا معها عبر التاريخ السينمائى للثرى أبوكرش والذى لا تغادره فى نفس الوقت زجاجة الخمر يحتسى منها طوال الوقت، ترى من خلال تلك الشخصيات تنويعات تعدد دوافع ورغبات الجسد. لم ينس المخرج أن يضع فى الخلفية شريطا صوتيا للأيام الأولى لثورة 25 يناير، ولكن ما الذى من الممكن أن تجده يختلف لو أنك نزعت الإطار الزمنى، بدايات الثورة لجأ إليها المخرج لتبرير ثلاثة محاور أن البطل أحمد عبدالله هرب من السجن يوم 29 يناير 2011 مع اقتحام السجون، كما أن الثورة طرحت حالة من الوحشة والترقب، كما قدم ابن زكى مؤيدا للثورة بينما الأب يقف على الجانب الآخر تماما، فما هى الإضافة الزمنية لهذا الشريط الصوتى، يحدث تداع لا شعورى مباشرة بين هذا الشريط وكيفية استخدامه ودوره فى إضفاء عمق درامى وفكرى على فيلم (نوارة) لهالة خليل، حيث إننا بصدد حتمية درامية لا تكتمل الرؤية بدون تحديد الزمن ليصبح الحدث أحد تجليات الثورة، هذه المرة فى (حرام الجسد) لم يكن هناك أى حتمية، وكان من الممكن أن تتحرك دراميا وبحرية بعيدا عن هذا القيد.

هناك حالة تسيطر على حالة الفيلم أنه الجو العام الموحش والغامض أيضا وهكذا نجد أن القسط الأكبر من مشاهد الفيلم كانت فى الليل بدرجة من الإبداع والخصوصية التى نسجها بتفاصيل موحية متوحشة تعبر عنها الإضاءة بدرجاتها التى تميل للعتمة، وأيضا بتلك النظرات من ناهد السباعى بجسدها العطشان الذى يبحث عن الارتواء وتبادلها نظرات مع أحمد الذى يجيب بنظرته قبل ملامحه أنه يتحين الفرصة، بينما البزاوى هو عاجز رغم لجوئه إلى كل المساعدات بعد أن تمكن منه مرض السكر ومعه عوامل الشيخوخة، الفيلم يُصدر للمشاهد تلك العلاقات ويترك له مساحة من التأمل وإصدار الحكم، بين الاحتياج الجسدى وصراع الحلال والحرام.

محمود البزاوى كان ملفتا ولا شك، ولكنه ولا أدرى لماذا صار يذكرنى فى تلك المشاهد بعبدالوارث عسر سيطرت عليه لا شعوريا روح فناننا الكبير، والمفروض أنه فى مثل هذه الأحوال لا يعترف بضعفه أمام زوجته بل وينفى ذلك، ولكن السيناريو كان يلجأ للمباشرة الشديدة، حتى عندما يدخل على الخط زكى فطين عبدالوهاب، لقد مهد لنا دخوله دراميا عندما تلصص زكى على خيانة ناهد لزوجها مع ابن عمه أحمد، فكان يبدو نهما وهو يتابع من فتحة الشيش تلك العلاقة المحرمة، وفى الحقيقة لا يوجد حتمية لتلك العلاقة حتى لو قدم لنا أنه يعانى مع زوجته التى أدت دورها سلوى محمد على فإن رجلا بهذا الثراء من البديهى سيجد أمامه عشرات من الحلول، إلا إذا قدمه لنا وهو لا يعشق سوى هذا النوع من النساء الذى تمثله ناهد السباعى، وهذا يستتبع بناء نفسيا مختلفا للشخصية.

ويبقى فكرة الانعزال ما هى الضرورة لكى يأخذ الكاتب قطعة من الأرض (المزرعة) ويقيم عليها سور درامى يخترقه فقط مرات معدودة عندما يجد نفسه بحاجة إليه، فنحن نعرف أن هناك خفيرا كان يعاكس ناهد، وعندما تشابك معه أحمد عبدالله قتله وهذا سر دخوله للسجن، أيضا عندما يقرر البزاوى أن يزوج أحمد فإنه يذكر اسم إحدى بنات الجيران ولكن تظل هناك دائما دائرة غير مسموح لأحد غير الأربع شخصيات الرئيسية بالدخول إليها، فقط عندما أراد زكى فطين عبدالوهاب شراء علف للمواشى حتى يُبعد أحمد لينفرد بناهد ويتفق مع البائع على تأخيره بحجة أنه لن يستطع أن يتسلم البضاعة إلا بعد عدة ساعات، وقبلها عندما يأتى الطبيب للكشف على البزاوى ويصرح بالدفن رغم أن هناك فوارق ظاهرية على ملامح الجسد بين القتل خنقا وبين توقف عضلة القلب طبقا للسيناريو عندما أخذ حباتى فياجرا ولا يمكن أن يخطئ فى اكتشاف الجريمة حتى طبيب متواضع المستوى، إلا فقط لو كان متواطئا وهو ما لم يشر إليه السيناريو، وكان من المنطقى أن يحذف هذا المشهد المجانى برمته، حتى لا يعوق مصداقية الفيلم.

انحرف السيناريو إلى تقديم حكم أخلاقى على نجومه فكانت ناهد تتعذب لأنها شاركت فى قتل زوجها ويطاردها شبحه بينما تنجب طفلا لا تعرف بالضبط هل هو ابن زكى أم أحمد، والسيناريو يتعمق دراميا ليؤكد أن هذا الأمر يشغل زكى، السؤال المنطقى لماذا لم يلجأ مثلا ببساطة إلى تحليل (دى إن إيه) ليؤكد أو ينفى صلته بهذا الطفل.

النهاية فى البئر مفتعلة لكى يغرقا معا، أحمد وناهد، ويبقى الطفل، ليحصل عليه زكى وكأنه مكافأة من القدر، ولو حسبتها بالذنب فإن جريمة زكى أكبر فلماذا يتم توقيع العقاب القدرى على الفقراء وينجو الغنى بل ويكافأ بطفل لديه يقين ولا أدرى لماذا أنه ابنه.

سوف يصعد على الفور إلى خيالك فيلم (امرأة على الطريق) للمخرج عزالدين ذوالفقار الذى عرض قبل نحو 60 عاما وبالصدفة لعبت بطولته جدة ناهد السباعى القديرة هدى سلطان حيث الشخصيات المعزولة فى الصحراء مع الفارق بالطبع أن هناك منطقا فرضته الجغرافيا فى فيلم ذوالفقار حيث المكان هو محطة بنزين فى الطريق الصحراوى المهجور ولهذا جاء الصراع بكل جرأة من هدى هى التى أرادت أن تقيم علاقة مع رشدى أباظة، شقيق زوجها شكرى سرحان. هدى كانت رائعة فى أداء دور يبدو وكأنه مرسوما على ملامحها وبإمكانيات جسدية وتعبيرية لا تقارن بأحد من هذا الجيل، كان الدور يبحث عن هدى بينما حفيدتها ناهد كانت هى التى تبحث عن الدور.

الفيلم ينطبق عليه توصيف الميزانية المحدودة وبه بالقطع قدر من المغامرة التى فرضها جابى خورى بعد 8 سنوات من الغياب عن الإنتاج، خاض التجربة مع واحد من تلاميذ يوسف شاهين، المخرج خالد الحجر والذى يعود مشواره إلى أكثر من 20 عاما منذ فيلم (أحلام صغيرة) مرورا بـ(حب البنات) و(مفيش غير كده ) و(قبلات مسروقة) و(الشوق)، تستطيع أن تدرك من خلال هذه الأفلام أنه مخرج يجيد الحرفة ويجيد التعامل أيضا مع كل الظروف ولديه مساحة من المرونة تتيح له التكيف مع إيقاع الإنتاج.

لدينا أجواء بصرية رائعة إبداعيا قدمها الحجر من خلال مدير التصوير نيستور كالفو، حيث كانت الأجواء الليلية بتنفيذ الإضاءة تعمق الإحساس بالوحشة والاحتياج الجنسى، أيضا موسيقى خالد داغر تفهمت تلك الروح، ناهد ممثلة موهوبة شاهدتها وأشدت بها كثيرا وعن جدارة، فى أعمال سابقة، كانت هى الترشيح الخامس أو السادس للمخرج إلا أن هذا الدور كان بحاجة إلى ممثلة أخرى، كانت ناهد تبدو وهى ترتدى للدور ولا تعايشه، أحمد عبدالله محمود قدمه المخرج كوجه جديد ويبدو فى أدائه وكأنه يطبق القاعدة فهو يؤدى ولكن بلا وهج أو انتشاء وتلك بالطبع مسؤولية المخرج.

الشريط يحمل من أسباب الهزيمة الكثير وجاء تصنيف الفيلم (فوق 18) ليصبح بمثابة خنجر آخر يعجل بهزيمة الفيلم رقميا، هذا التصنيف يعنى ترقبا أكثر يشى به العنوان (حرام الجسد)، الجمهور القليل تابع الحرام ولم يجد ما يشفى غليله من الجسد!!

tarekelshinnawi@yahoo.com