سينضم المدعو «جون دو» إلى قائمة المسربين الكبار إذن؛ وهى قائمة تضم أسماء عمالقة من نوع «جوليان آسانج»، و«إدوارد سنودن».
فمن هو «جون دو»؟
يؤكد «باستيان أوبرماير»، الصحفى الذى يعمل بصحيفة «زودويتشة تسايتونج» الألمانية، أن شخصاً يطلق على نفسه اسم «جون دو» اتصل به عارضاً عليه إعطاءه معلومات غاية فى الأهمية بغرض نشرها.
يقول «أوبرماير»، لصحيفة «واشنطن بوست»، كنت فى مناوبة عمل فى الصحيفة، حين وردنى اتصال من شخص مجهول، باغتنى بالقول: «آلو.. أنا جون دو.. هل تريدون معلومات؟».
يعرف «أوبرماير» أننا جميعاً نعرف الإجابة؛ فليس هناك صحفى على وجه الأرض سيرفض عرضاً مثل هذا.. الحصول على معلومات.
فى حال كانت رواية «أوبرماير» صحيحة، فقد بادر شخص ما بالاتصال بالصحيفة عارضاً تقديم 11.5 مليون وثيقة، من الوثائق المحفوظة فى أرشيف معلومات شركة المحاماة البنمية «موساك فونسيكا»، وهى وثائق تكشف وقائع فساد وشبهات تتعلق بآلاف من أهم السياسيين ورجال المال والأعمال فى عدد كبير من دول العالم.
بحسب «أوبرماير»، وصحيفته، فقد تم بناء علاقة مع المُسرب «جون دو»، وعبر اتصالات طويلة، جرت من خلال وسائل تشفير وتقنيات حماية، تم نقل الوثائق لتصبح بحوزة الصحيفة الألمانية.
يقول «أوبرماير» إن النهوض بعبء فحص الوثائق وفرزها وتصنيفها وتدقيقها، فضلاً عن نشرها، عمل ضخم ومكلف، إذ يكفى أن نعرف أن تلك الوثائق فى حال نشرها يمكن أن تصدر فى 38 ألف كتاب من القطع المتوسط.
ولذلك، فإن الصحيفة لجأت إلى فكرة «الاتحاد قوة»، وذهبت إلى الاتحاد الدولى للصحفيين الاستقصائيين، الذى يقع مقره فى الولايات المتحدة، وتموله منظمات أمريكية.
أراد «الاتحاد» أن يجعل من قضية «أوراق بنما» عملاً منهجياً متكاملاً، كما قالت نائبة المدير مارينا جيفارا، ولذلك، فقد تمت مشاركة المعلومات مع 370 صحفياً من أعضاء الاتحاد، ينتمون إلى نحو 100 مؤسسة إعلامية.
إن تلك المنهجية تطلبت وقتاً وجهداً وإجراءات أمن وحماية بالغة الدقة، لكنها فى الوقت ذاته، مكّنت «الاتحاد» من تحقيق جملة من الأهداف؛ أولها يتصل بالموثوقية الناجمة عن تدقيق الوثائق، وثانيها يتعلق بحماية الناشرين، لأن عددهم أكبر من أن يسمح باستهدافهم، وثالثها يتصل بسعة الانتشار، حيث ستقوم كل مؤسسة بدورها فى محيطها المحلى، بما يضمن انشاراً كبيراً للمعلومات، ورابعها يتعلق بدرجة الوجاهة والأهمية التى سيكتسبها العمل، مما يعزز الضغوط على الحكومات، لدفعها إلى اتخاذ إجراءات وفتح محاكمات.
سيقول المشككون: قف هنا. هذه واشنطن. هذا الاتحاد من يموله؟ لماذا ورد اسم بوتين والأسد، ولم يرد اسم أحد من المقربين من الإدارة الأمريكية؟ هل تصدق قصة «جون دو».. أليست مهزلة أن نصدق أن أحداً يتصل بصحيفة عارضاً معلومات غاية فى السرية، لأنه يريد أن يخدم الحقيقة ويكشف المجرمين؟
وسيزيد النقاد: وما الجديد؟ نحن نعرف أن هؤلاء الرجال أثرياء. إنهم يلجأون إلى مثل تلك الشركات لأنها تعمل باحتراف، ولأن بنما من الدول التى تعطى تسهيلات قياسية فى مجالات الاستثمار والأعمال. إن ورود اسم شخص ما ضمن وثائق بنما ليس دليلاً مؤكداً على أنه مجرم أو متهم، كما أن عدم ورود أسماء الآخرين فى تلك الوثائق لا يعنى أنهم أبرياء، فثمة عدد كبير من الشركات المماثلة التى تنشط فى أنحاء مختلفة من العالم، بعضها نعرفه، وبعضها لا نعرف عنه شيئاً.
إن هذه الحجج منطقية بكل تأكيد، لكننا الآن أمام موقف محدد بمعطيات واضحة، وعلينا أن نحلل الوضع بشكل مجرد، وأن نتصرف على نحو عادل؛ كما يلى:
أولاً: لا يمكننا أن نعرف الأهداف الحقيقية للمُسربين طالما أنهم لم يعترفوا بها، لكننا نعرف مبدئياً أن لديهم أهدافاً، قد لا تكون بالضرورة فى خدمة الحقيقة والإنسانية.
ثانياً: لا يجب أن نتوقف عن الاهتمام بوثائق المُسربين لأننا لا نعرف أهدافهم، وعلى من يريد أن يشكك أن ينقد الوثائق نفسها، وليس مُسربيها، أو الصحفيين الذين أذاعوها، أو الطريقة التى وصلتنا بها.
ثالثاً: عدم شمول الوثائق لكل الجرائم، وعدم إذاعة كل الأسماء المُتضمنة فيها، ليسا ذريعة للتوقف عن الاهتمام بها.
رابعاً: المُسرب لديه مصلحة لا نعرفها، ونحن لدينا مصلحة نعرفها؛ وهى: الحقيقة، وسيادة القانون، ومعاقبة المخطئين.
خامساً: على من يشكو من انتقائية التسريبات أن يسد عوارها بالبحث عن وثائق تدين المجرمين المختبئين، وليس عبر التشكيك فى حقيقة ما يذاع.
سادساً: يسجل المتورطون شركات وهمية أو شركات سرية لأسباب عدة؛ منها التهرب الضريبى، والفساد، وغسل الأموال، والحصول على عطاءات من دون الإعلان عن هويتهم، والأهم من كل ذلك لإخفاء أموال لا يمتلكون إجابة عن السؤال عن مصدرها.
سابعاً: لقد سقط رئيس وزراء إيسلندا بسبب الوثائق، وهو الأمر الذى سيحدث فى أى دولة تعرف سيادة القانون، لكن فى دول أخرى، لن يحدث شىء باستثناء نشر بعض الموضوعات الصحفية والمقالات.