أهم دروس «ريجيني»

أحمد الدريني السبت 09-04-2016 21:54

على الدولة أن تسأل نفسها عن سر شماتة قطاع عريض من المصريين فيها في أزمة «ريجيني».
هذا لو أنها من الدول المعنية بمسائل البقاء أو النظر لشؤونها الداخلية وتحليل تداعيتها على المدى البعيد، وتأثير الأحداث على علاقتها بمواطنيها.
فمنذ بداية الأزمة قد انطبع لدى كثيرين ضلوع جهاز الشرطة المصري في قتل الطالب الإيطالي، دون أن يمتلك أحد بينة قاطعة على هذا، وشاع الاتهام وتأكد مع الوقت.
لماذا ظن الناس أن الداخلية قتلت ريجيني لولا أن سجل سوابق الوزارة زاخر بالقتل والتعذيب والخطف والتنكيل؟ لماذا بدت بصمة الداخلية حاضرة إلى هذا الحد في الجثمان المعذب الملقى في عراء الطريق الصحراوي وكأنه يقول (كنت لديهم في لاظوغلي!) ؟
لا أحد يعرف يقينا من قتل ريجيني، وفرصة أن يكون قد لقي حتفه على يد أفراد من الداخلية تصل إلى 50% مناصفة مع أي سيناريو آخر بما فيه مقتله على أيدي أفراد من وزارة التموين أو وزارة البيئة!
ربما كانت الداخلية بريئة تماما من دم الإيطالي المغدور، لكن سوابق الإجرام لم تترك لأحد فرصة التعاطف أو فرض الاحتمالات المنطقية التي تقول إن الوزارة هي آخر من يفترض اتهامه في قتل شاب أجنبي دون سبب.
هذا هو الحصاد المر الذي يتعاظم مع الوقت، وهذه هي الأزمة التي تكبر مع الزمن ولا يلتفت إليها أحد فيبحث سيناريوهات إصلاح العمل الشرطي، ويعترف بالشرخ فيسعى لإعادة ترميم علاقة المواطنين بالداخلية بعد سنين طوال من المرار والغبن.
ماهو شعورك عزيزي ضابط الشرطة بينما ينتظر المصريون أن يظهر الإيطاليون هوية الجاني ويتلمظون شوقًا أن يكون ضابط شرطة، فيشمتوا في محاكمته هو ورفاقه تحت ضغط مراقبة العالم كله لمجريات المحاكمة، بما يضطرها أن تكون حقيقية لا هزلية كما اعتدنا في محاكمات كثيرة؟
(2)
مع احتشاد الدولة المصرية ممثلة في وزارات العدل والخارجية والداخلية وباقي الأجهزة السيادية الأخرى لمحاولة الإجابة عن سؤال ببساطة (من قتل ريجيني؟)، بدت متعثرة ومهلهلة –وربما تافهة- إلى حد مثير للرثاء.
شمت كثيرون- ولا أقصي نفسي منهم- في إصرار الجانب الإيطالي على متابعة تفاصيل القضية والسؤال في كل كبيرة وصغيرة على النحو الذي أحرج الداخلية المصرية وأوقعها في خطأ البيان الكارثي بعد مقتل الخمسة الذين اتهمتهم الوزارة بأنهم تكوين عصابي متخصص في اختطاف الأجانب، لكن العيون الساهرة قتلتهم ثم اكتشفت معهم- يا محاسن الصدف- متعلقات ريجيني!
ومبعث الشماتة أن بيانات الداخلية التي تستخف بالرأي العام عادةً، وطالما لم تول المصريين وعقولهم احترامًا يذكر، قد قيض الله لها الدولة الإيطالية –برذالتها- كي تكشف عوراتها بإصرار ودأب أتلف أعصاب الوزراة ومتحدثيها الرسميين.
الدولة الإيطالية تنتقم – نيابة عنا- من إهدار المنطق في المجال العام في مصر ومن إهمال قيمته، وتنتقم لنا بوقوفها فوق رأس الدولة المصرية كالنذير الهادر، لنتعلم أن إدارة الأزمات ليست فهلوة ولا استنطاعًا.
لا نحب أن تبدو صورة بلدنا مهتزة وجهازها الشرطي متهافت وهزيل القدرات إلى هذا الحد. لكن الداخلية التي كانت تلقي الاتهامات والروايات على عواهنها بخصوص الحوادث المثيرة للجدل (وإللي مش عاجبه يشرب من البحر) تجني اليوم حصاد التنطع والصلف والتعالي على الرأي العام وحقه في معرفة الحقائق.
(3)
يوما ما، آجلا أو عاجلًا، سينكشف قاتل ريجيني، وأيا كانت هويته وغرضه، ستنغلق دفتا القضية، لكن سيبقى في الحلوق مرار هذا الإخفاق المزري للدولة المصرية بكل أركانها في إدارة هذه الأزمة.
لم يبق في ماء وجوهنا الكثير كي تبعثروه، أشفقوا علينا قبل أن تنزاح من قلوبنا آخر ذرة شفقة بكم.