أخيراً استفاق مجلس النواب من نومه وقرر إرسال لجنة برلمانية إلى البرلمان الأوروبى 10 إبريل الجارى لفتح حوار معه بشأن الانتقادات التى وجهت لمصر الشهر الماضى، وتنذر بتدهور العلاقات مع أوروبا، وبالرغم من تحفظنا على تشكيلة اللجنة التى لا تضم شخصيات برلمانية معروفة تساعد على لفت أنظار البرلمان الأوروبى لتعاملنا مع الحدث، وأبرزهم النائب محمد أنور السادات الرئيس السابق للجنة حقوق الإنسان، ومع ذلك هى خطوة مطلوبة ومهمة حتى ولو متأخرة، وإن كان يغلب عليها الطابع الشكلى والبيروقراطى فى التعامل مع هذه القضية.
يأتى ذلك بالتزامن مع تنامى الانتقادات للسلطات المصرية من الجانب الإيطالى على خلفية غياب الشفافية فى التحقيقات الجارية حول مقتل الطالب الإيطالى جوليو ريجينى، وتهديد أسرته بتصعيد الأمر دوليا إذا لم يتم كشف النقاب عن الجناة الحقيقيين فى هذه الجريمة، وتبنت لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشيوخ الإيطالى قضية ريجينى وأسرته ووعدتهم بالمساندة الدائمة حتى ظهور الحقيقة، والتهديد المستمر بدعوة الخارجية الإيطالية لتصنيف مصر مكانا غير آمن، وهو ما سيؤدى إلى وقف سفر المواطنين الطليان إلى مصر.
ويبدو أن هناك تصعيدا من أطراف عدة يقابله تباطؤ وتلكؤ من الأطراف المعنية بالداخل، وسبق أن حذرنا من تسارع وتيرة الانتقادات الغربية لمصر فى مقابل تراخى حكومتنا عن إدارة الأزمة بشكل جيد، وما قد يترتب على ذلك من قرارات صادمة ستزيد من الأعباء الموضوعة على الحكومة المصرية، فمن هذا المكان «المصرى اليوم» وتحت عنوان «تباطؤ أداء مجلس النواب والحكومة نائمة» بتاريخ 17 مارس، حذرت من تلكؤ مجلس النواب فى التعامل مع توصيات البرلمان الأوروبى، وضرورة التعامل بجدية نتيجة اتفاقية الشراكة التى تجمع مصر بالاتحاد الأوروبى الذى يعد أقوى شريك تجارى، وكذلك تحت عنوان «مثلث الفشلة الذى يسىء للرئيس» بتاريخ 8 يناير، حذرت من أخطاء الجهاز الأمنى، وما يترتب عليه من تحمل النظام السياسى أى فشل لأجهزته الأمنية باعتباره المسؤول السياسى الأول فى البلاد.
ها هى نتيجة التباطؤ تظهر عبر افتتاحية نيويورك تايمز الأمريكية الصادمة بتاريخ 25 مارس، والتى تحرض الرئيس الأمريكى باراك أوباما على مصر وتدعوه للضغط على الرئيس عبدالفتاح السيسى لرفع يد الحكومة المصرية عن منظمات المجتمع المدنى، ووقف انتهاكات حقوق الإنسان، وفى نفس اليوم تكشف الجارديان البريطانية فى تقرير لها أن السلطات المصرية تتعمد عدم تلبية مطالب الجانب الإيطالى بشأن الحصول على لقطات كاميرات الفيديو فى الشوارع القريبة من سكن ريجينى بالدقى ومحطتى مترو الأنفاق، وكذلك سجل مكالمات ريجينى الأخيرة، وتجاهل الرد على هذا الطلب حتى الآن.
إيطاليا من جانبها تهدد باتخاذ خطوات تصعيدية، وقررت جمعية السياحة الإيطالية وقف رحلاتها إلى مصر، وبالرغم من أنها كيان غير حكومى إلا أن القرار يحمل دلالة رمزية سلبية تنذر بوقف الرحلات كاملة، وهم من أكثر السياح الوافدين لمصر فى السنوات الأخيرة، وهو ما سيزيد من معاناة السياحة التى تئن منذ وقف سفر الروس لمصر على خلفية إسقاط الطائرة الروسية فى شرم الشيخ، إلى جانب تأكيد وزير الداخلية الإيطالى إنجيلينو الفانو أن سحب السفير الإيطالى من القاهرة سيكون مجرد إجراء رمزى، ولكن الأفضل لمعرفة الحقيقة هو السفر إلى هناك والمشاركة فى التحقيقات بشكل مباشر، معتبرا أن المحققين المصريين راجعوا موقفهم بالنسبة لمقتل ريجينى، نتيجة إصرار إيطاليا بعد رفض سيناريو مقتله بيد عصابة إجرامية.
وثمة محاولات من انتهازيين وأصحاب الأجندات الخاصة فى رفع سقف الانتقادات ضد الحكومة المصرية، وهو ما يبرز من دعوة ريكاردو نورى ممثل منظمة العفو الدولية بفتح تحقيق مستقل من طرف اللجنة الأممية لمناهضة التعذيب والهيئات المختصة فى الأمم المتحدة، وإيفاد مختصين لتقصى الحقائق فى مصر.
وما زلت فى انتظار صحوة حقيقية مصرية تناسب المخاطر التى تحوم بنا، إذا كنا نريد الخروج من عنق الزجاجة، فالتغيرات فى الخارج تسير بوتيرة متسارعة فى مقابل خمول وتلكؤ من الداخل، فإما أن يتم التعامل بحكمة وحنكة وسرعة، وإما تحمّل تداعيات سلبية، المجتمع فى غنى عنها ولن يقدر على مواجهتها، فى المستقبل القريب على الأقل.
* برلمانية سابقة وأستاذة العلوم السياسية