«لعبة عادلة».. كيف تورط «الموساد» فى اغتيال العلماء العرب

كتب: اخبار الإثنين 25-10-2010 22:30

فى عرضه العربى الأولى من خلال فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان أبوظبى السينمائى استطاع فيلم «لعبة عادلة» بطولة شون بين وناوومى واتس وخالد النبوى أن يستحوذ على اهتمام الجمهور خصوصا أنه من إنتاج شركة «ايمجينيشن أبوظبى» أى يعتبر إنتاجاً عربياً أمريكياً مشتركاً ومن المعروف أن الشركة تعمل من خلال رأس مال قدره مليار دولار فى تمويل الأفلام الأمريكية كنوع من التواجد العربى على الساحة السينمائية الدولية، وقد عرض الفيلم ضمن قسم «عروض السينما العالمية»، التى ضمت عشرة أفلام تسجيلية وروائية فى عروضها العربية الأولى.

فيلم «لعبة عادلة» من إخراج «دوج ليمان» الذى لمع اسمه كواحد من أشهر مخرجى الحركة خلال الأعوام الأخيرة عبر سلسلة أفلام «بورن» بطولة «مات ديمون» وفيلم «السيد والسيدة سميث» لـ«براد بت» و«أنجلينا جولى».. وقد ظهر تأثر المخرج الواضح بأفلام الحركة من خلال الإيقاع العام للفيلم رغم أنه ينتمى لنوعية الأفلام السياسية الثقيلة التى ظهرت بعد احتلال أمريكا للعراق على غرار فيلم «المنطقة الخضراء» وغيره.. وهى الأفلام التى تعتبر مضادة للحرب على العراق..حيث تكشف من خلال وقائع حقيقية مدى قدرة إدارة الرئيس الأمريكى السابق «جورج دبليو بوش» على الكذب وتزييف الحقائق وتضليل الرأى العام لغزو العراق بحجة وجود أسلحة دمار شامل.

أحداث الفيلم مستوحاة من وقائع حقيقية حدثت قبل الغزو الأمريكى للعراق من خلال أحد عملاء السى آى إيه «فاليرى بلام»- «ناوومى واتس»- التى كانت تعمل ضمن برنامج عدم الانتشار النووى حيث تكلف هى وفريقها بالتأكد من المعلومات الخاصة بوجود أسلحة دمار شامل لدى العراق وذلك بعد احتلال أفغانستان وقبل غزو العراق..وبحكم زواجها من سفير سابق له علاقات أفريقية «شون بين» ترشحه للسفر إلى أفريقيا لجمع معلومات حول صفقة يورانيوم مخصب تنوى العراق شراءه من النيجر..

ويكتشف الزوج أنها مجرد شائعة.. لكن إدارة الرئيس «بوش»، متمثلة فى مكتب نائب الرئيس، تضغط على موظفى إدارة عدم الانتشار النووى لكى يتم تضليل الرأى العام وبث معلومات خاطئة حول وجود صفقات يورانيوم وبرنامج نووى عراقى..هذا الاستغراق فى التفاصيل الواقعية التى تنتقل فى عدة بلدان ما بين أمريكا والقاهرة وعمان وأفريقيا أعطى الفيلم حساً تسجيلياً قوياً، خصوصاً مع اهتمام السيناريو بتوثيق الشخصيات والأماكن والتواريخ من خلال استخدام أسلوب الكتابة على الشاشة للتعريف أو إيراد معلومات عن الأماكن والأشخاص على لسان الشخصيات.

مع تطور الأحداث تظهر شخصية العالم النووى العراقى حميد «خالد النبوى» الذى يتم من خلاله بلورة فكرة الفيلم، وهى الادعاء الأمريكى بوجود برنامج نووى عراقى، حيث نراه يتحدث عن عمله بمصنع سماد بعد تفكيك البرنامج العراقى فى التسعينيات.. وفى أكثر من لقطة يبدو كل همه أن يحضر بعض اللبن والطعام لأسرته أثناء القصف..هذه المشاهد العائلية تتم بالتوازى مع اهتمام السرد بصرياً ودرامياً بإبراز الحياة العائلية لدى العائلة الأمريكية من خلال أولادهم،

ففى الوقت الذى تقصف فيه أمريكا أطفال العراق تتهدد مصالح الأطفال الأمريكيين نتيجة أن هذه الإدارة كشفت عن سرية شخصية الأم كعميلة استخباراتية، وفضحتها على صفحات الجرائد مما أوقعها هى وزوجها فى مأزق كبير، بل إن الزوج يتهم بمعاداة الديمقراطية وأنه مناهض للحرب على الإرهاب وتصبح الأسرة كلها مهددة بالقتل.. هذا التوازى بين أسرة العميلة وأسرة العالم العراقى يتم بنعومة ودون مباشرة أو قصدية بل كجزء من البناء الدرامى والبصرى.

ثم نكتشف أن المخابرات الأمريكية رفضت إيواء العلماء النوويين العراقيين كى لا يكشفوا للعالم زيف الادعاء الأمريكى.. بل إنها سلمت قائمة بأسمائهم للموساد كى يقوم بتصفيتهم قبل أن ينضموا لأى دول معادية– بالنسبة لهم. هذا الكشف الدرامى هو أهم نقاط الفيلم..

ليس فقط لأنه يدين السياسة الأمريكية بل لأنه يعلن بوضوح وشفافية غريبة على هوليوود أن الموساد متورط فى عمليات اغتيال العلماء النوويين العراقيين والعرب، وكلنا يذكر حادثة اغتيال العالم المصرى يحيى المشد، فرغم أن الفيلم يعمل من خلال الباترون الأمريكى للأفلام السياسية سواء من حيث البناء الدرامى أو التنوع البصرى/اللونى بين مشاهد الدول العربية الصفراء الساخنة ومشاهد أمريكا الزرقاء الباردة فإن قدرته على الإمساك بتركيز المتفرج عبر عشرات المعلومات والتفاصيل تحسب لصالحه.

وينتهى الفيلم بكشف لجنة التحقيقات التى يديرها الكونجرس لأبعاد المؤامرة التى تعرضت إليها «فاليرى»، ويقوم المخرج بعمل إحالة مباشرة على الواقع من خلال عرض مادة تسجيلية للشخصية الحقيقية المأخوذ عنها الفيلم من خلال شهادتها أمام لجنة التحقيق الكبرى التى أدانت مكتب نائب الرئيس الأمريكى وحكمت بالسجن على المسؤولين عن كشف سرية العميلة.

استخدام مادة تسجيلية فى نهاية الأفلام هو شكل مهم من أشكال الفيلم «السياسى» كنوع من إثبات مصداقية الأحداث وبيان مدى واقعيتها.. وبمجرد نهاية الفيلم تشعر أن العنوان يتخذ أبعادا ذات دلالات ساخرة ولائمة فى الوقت نفسه، حيث إن أمريكا لم تلعب اللعبة السياسية أو العسكرية مع العراق بشكل عادل، وإنما بمنتهى المكر وبشكل دنىء تماما مثلما قامت إدارة بوش بفضح إحدى عميلاتها من أجل التغطية على ما هو أكبر وهو ما يأتى على لسان «شون بين» بالفيلم حيث تتحول القضية من لماذا قامت أمريكا بغزو العراق إلى من هى العميلة «فاليرى»؟،

ورغم قصر دور خالد النبوى وتعجب البعض من عدم استخدام ممثل عراقى لتجسيد الشخصية فإنه استطاع أن يقدم أداء متوازناً بعيداً عن الافتعال خاصة المشاهد الصامتة حين كان ينتظر أن تنقذه المخابرات من جحيم الحرب هو وأسرته، أو فى المشهد الذى يعترف فيه بأنه يعمل فى مصنع سماد، وهو العالم النووى الكبير.