الإنسان يحركه فكره، وهذا الفكر مرتبط بظروف تاريخية، ومن قدرات الإنسان فى إطار الظروف التاريخية يحدد الإنسان موقفه ودوره ورؤيته لنفسه وتقييمه لقدراته، وبناء عليه فى إطار هذا الفكر يرسم خريطة تقدمه، فمن الممكن لبعض الأفراد أن يقعوا فريسة للظروف التاريخية والظروف الخارجة عن تقييمهم لقدراتهم، وبناء عليه فى إطار هذا الفكر يرسمون خريطة تقدمهم ويجعلونها أسباباً لنجاحهم وفشلهم، فأى فشل يتم تبريره بالظروف، ويدعم هذا التبرير عدم قدرة الفرد على التحكم فى الظروف الخارجية، وبالتالى يقع الفرد والمجتمع فريسة للتبرير بالظروف الخارجية، وما يسرى على الفرد يسرى على المؤسسات والدول، ولكن هناك من الأفراد والمؤسسات والدول مَن يصارعون الظروف الخارجية ويفرضون وجودهم وتتحكم إرادتهم فى تغيير الواقع، وهذا النوع من الدول يخطط ويدير مستقبله، ويبحث عن تطوير نفسه بمعدات تساعده على التحكم فى قدراته وذاته، وكذلك الدول فى تنمية قدراتها وذاتها، وبالتالى تصنع التاريخ الخاص بها.. وهنا يطرح السؤال نفسه:
كيف يدعم الإنسان إرادته وقدراته وتوقعاته؟
أولاً: القاعدة العلمية والمعرفية التى تتعامل مع الحاضر والمستقبل، والقادرة على حل المشاكل والتنبؤ بالمستقبل.
ثانياً: المقارنة المستمرة والقدرة التنافسية، وذلك بمعرفة ما يدور حولنا فى إطار مجتمعنا وعالمنا، ومن خلال ذلك يمكن أن تكون المقارنة بمعايير موضوعية، خاصة لو قارنَّا أنفسنا بأكثر الناس تقدماً وأكثر المجتمعات تقدماً، حتى تستمر حالة القلق الصحى، والتى تدعم بمعايير أعلى تحفزا على التقدم.
ثالثاً: أن يكون المنظور والإدراك لقدراتنا من خلال الاكتشاف والابتكار والتطوير وليس بما نراه، ولكن بما لا نراه ونستطيع اكتشافه، أى فى مكنون الأشياء، فكل ما اختُرع حالياً لم يكن له وجود فيما قبل، ولكن قيمة البشر فى الاكتشاف والابتكار وفى القيمة المضافة التى تحدد قيمتها.
بهذا المنظور وهذا المنهج الذى يمكن الاسترسال فى شرحه، عُدت إلى بلدى الحبيب كى أساهم فى تنمية وإضافة قيِّمة فى إدارة مستقبله ومحاولة تنمية قيادات تؤمن بإدارة المستقبل، وهذا المنهج لمدة عشرين عاماً وأنا أصارع من أجله، وكذلك القيادات التى آمنت بهذا المنهج، والندرة المصرية العلمية فى صراع مع مَن تخندقوا بفكر لا يؤمن بالتقدم والتغيير، بل على العكس يقاوم ويُحَجِّم هذا النوع من القيادات، ولإيمانى بأن التقدم صناعة تحققها قيادات مؤمنة وعلى علم ومعرفة تُمَكِّنها من تقدم الأمة فى جميع مجالات العمل، مازلنا نعمل ونصارع، المشكلة الأساسية لدينا هى مشكلة الاختيار، والاختيار فى رأيى هو القرار، وهو قضية العصر والديمقراطية والحرية، وللأسف سباقنا مع العالم قاده أفراد يتسابقون وهم ينظرون إلى الخلف ويتعلقون بأشباح الماضى.