أهالى «نجع إبراهيم الصالح»: نعيش تحت حصار «الأميبا» والفشل الكلوى.. ونشرب مياهاً بـ«المجارى»

كتب: محمد أبو العينين الثلاثاء 26-10-2010 08:00

كلاب ضالة ومياه ملوثة بـ«المجارى» وشبكة صرف منهارة وأمراض بالجملة ومشاكل تعصى على الحل وأوبئة فى كل مكان.. نماذج من المعاناة اليومية، التى يعيشها سكان نجع إبراهيم الصالح، التابع لحى العامرية، حسب تأكيدات العشرات منهم، والذين هدد بعضهم، بتقديم شكاوى حول سوء أوضاعهم، إلى عدة منظمات حقوقية مصرية وأجنبية. ووصفوا أحوالهم بـ«غير الآدمية» وتفتقد كل وسائل الأمان، فى الوقت الذى أكدت فيه مصادر مسؤولة بشركة الصرف الصحى، أن نجع إبراهيم الصالح من المناطق العشوائية، غير المدرجة ضمن المناطق، التى تغطيها الشركة

جاء صوتها المتحشرج وهى تستعجل ابنها «محمود» فى إحضار «بخاخة» الصدر، وجهاز التنفس الصناعى، إثر أزمة ضيق تنفس مفاجئة، والتى تقول إنها لا تستطيع العيش دونه، فما هى إلا دقائق معدودات تخرج فيها خارج منزلها أو تفتح نوافذه، حتى تحاصرها رائحة مياه راكدة منذ سنوات منتشرة فى الخارج، وغطت أغلب الشوارع أو انبعاثات «كريهة» من سيارات رش المبيدات، التى تجوب المنطقة، فلا تستطيع الحركة أو الكلام فتبدأ إدخال مقدمة «البخاخة» فى فمها أو جهاز التنفس الصناعى، وبعدها تشعر بالراحة.. روتين اعتادت أن يتكرر يومياً.

لم تكن «فاطمة شوقى» السيدة المسنة ذات الستين عاماً تتخيل فى تلك الليلة أنها بصدد سماع مفاجأة جديدة وهى تنتظر إشراقة أول ضوء من أشعة الشمس، تستعد بعدها للذهاب إلى أقرب وحدة صحية خارج القرية التى يقول أهلها إنها افتقدت الخدمات الأساسية، ومنها المستوصف الطبى، لتعرف سبب شكوى وأنين ابنها «محمود» من قىء مستمر وألم فى المعدة، عجز الصيدلى «الوحيد» فى القرية عن معرفته أو تشخيصه.. فهنا يلجأ الأهل والأبناء لشراء الكمامات والأدوية والاستماع إلى النصائح الطبية، لعدم وجود مستوصف طبى.

داخل مستشفى العامرية، زحام شديد من أهالى الحى والنجوع المجاورة له، حيث تتركز أغلب الشكاوى من الفشل الكبدى والكلوى والأمراض الجلدية، «الحى» يعتبر مكاناً موبوءاً بالأمراض بسبب تراكم مياه الصرف وانتشار الحشرات الضارة خاصة فى النجوع.. هكذا قال أحد الأطباء فى المستشفى، طلب عدم نشر اسمه، وفى المقابل تنتظر «فاطمة» نتيجة تحاليل ابنها «محمود»، التى تحولت إلى قسم المعامل الخاصة بمستشفى القبارى ليخرج عليها حاملاً ورقة تحمل اسم المستشفى، تفسر سبب المعاناة وهى: «إصابة حادة بالأميبا على الأمعاء».

لم تقنع النتيجة «محمود وأمه»، حيث نصحهما الأهل والمقربون بالذهاب إلى مستشفى «خاص» للتأكد من النتيجة، وبالفعل استجابا للنصيحة وأجريا تحاليل أخرى فى مستشفى خاص شهير فى منطقة الورديان، والنتيجة كما هى لم تتغير ليسلم محمود نفسه بعدها للعلاج «المكثف» بعد أن أكد له طبيبه المعالج، أن خروج «الآميبا» من الأمعاء «صعب» ويحتاج مجهوداً وعلاجاً مكثفاً استمر إلى الآن ما يزيد على 6 سنوات، يتلقى جرعات نصف شهرية، لكنها «دون جدوى»، يصفها محمود نفسه.

يقف «محمود» أمام منزله فى نجع «إبراهيم الصالح» بحى العامرية، يعود بذاكرته إلى الماضى، ويتذكر كيف كانت بداية سكنه هنا.. يشرد بنظراته إلى مناطق تتجمع فيها مياه راكدة تحول لون بعضها إلى الأسود وأحياناً الأخضر، وقال: «منذ 6 سنوات والمياه تحاصر المنازل بعد أن انفجرت شبكة الصرف الأهلية وأغرقت منازلنا»، وسأل «محمود» عن تواجد المياه بشكل مكثف فى المنطقة، واعتقاده بأنها السبب فى إصابته بـ«الآميبا» التى أكدت نتائج التحاليل الطبية، التى أجراها منتصف سبتمبر الماضى، أنه تناول مياهاً ملوثة بالصرف الصحى، وبقايا «براز» يحمل الطفيل عن طريق مياه ملوثة ببقايا الصرف الصحى.

«مش محمود بس لكن أغلب أهالى النجع مصابين بالأميبا والفشل الكلوى والكبدى بسبب المياه الملوثة».. بهذه العبارة تجيب «فاطمة شوقى» الأم التى ارتسمت على وجهها علامات حزن ودمعة، كتمتها فى عينيها وكادت تغلبها وهى تروى كيف توقفت حياة ابنها بسبب الإصابة التى ضربت جسده «الهزيل» وانتقصت من وزنه ما يقرب من 7 كيلوجرامات فى أقل من شهر، بعد أن هاجمه المرض صباح يوم تجهيز نفسه للخطوبة.

16 عاماً قضتها «فاطمة» وابنها فى النجع، شاركوا الأهالى خلالها إقامة شبكة صرف أهلية، لعدم وجود شبكة تخدم المنطقة، لكن سرعان ما انهارت ولم تتحمل الضغط الواقع عليها بعد تزايد عدد السكان، وأغرقت الشوارع والمنازل، وبعدها أصبحت المياه راكدة وتحول لونها إلى الأخضر والأسود أحياناً.

وقالت: «المياه تخرج من الصنبور بلون أبيض وبها عكارة وأحياناً يتحول لونها إلى الأصفر، وتغلب عليها رائحة المجارى، بعد أن اختلطت بمياه المجارى وصرف شركات الأدوية المجاورة للنجع».

منزل «فاطمة» شديد الظلام، تجرى لنا تجربة وتملأ كوباً من المياه تؤكد به صدق روايتها، لتخرج المياه ممزوجة بمادة بيضاء وتتحول إلى لون اللبن، «ماتقلقش يا أستاذ إحنا بنعرف نتعامل معاها.. بنغليها ونشربها».. ترد والدة «محمود» بهذه الكلمات بعد أن ارتسمت علامات الدهشة علينا وتشرح كيف تقوم بتنقية المياه بوضعها فى إناء لفترة طويلة، حتى تترسب الشوائب فى القاع، وبعدها تقوم بوضعها على النار فترة طويلة حتى الغليان، ثم تقوم بتبريدها حتى تقتل أى ميكروبات بها، وتضعها فى زجاجات لشرب ابنها، بعد أن نصحه الطبيب بعدم تناول مياه أو أطعمة ملوثة.

تقف «فاطمة» أمام منزلها تحاول استنشاق هواء نقى إثر أزمة صدرية مفاجئة، قالت إنها تأتى باستمرار بسبب رائحة المجارى وسيارات رش المبيدات.. يراقب «بخيت عثمان» الموقف عن كثب، وهو يجلس متكئاً على عصا ويحمل فى يده الأخرى «كيس» شفاف به بعض الأدوية.

يبدو على ملامح وجهه أنه أكثر تحملاً للموقف من جيرانه المصابين، يتحدث بنبرات حادة وصوت «أجش»، بادرناه بسؤال حول تأثير «المياه بيضاء اللون» عليه والتى يقول أهل النجع إنها أصابتهم بأمراض خطيرة منذ سنوات، ليرد: «فشل كلوى وكبدى».

يذكر «بخيت» قبل 3 سنوات عندما كان يعمل أميناً للعهدة فى مدرسة المنتزه الثانوية، ويبيت فيها يومياً باستثناء الإجازات قائلاً: «لم أكن أعانى أى إصابات وبعد أن خرجت على المعاش منذ 3 سنوات، بدأ الألم يداهمنى حتى ذهبت لمستشفى العامرية وأجريت فحوصات طبية أكدت أننى مصاب بالفشل الكلوى والكبدى».

وأضاف: العلاج يتم على ثلاث مراحل انتهيت من المرحلتين الأولى والثانية وتبقى المرحلة الأخيرة، إلا أن التأمين الصحى يرفض إتمامها، لأن الحقنة الواحدة تتكلف 1200 جنيه، لا أملك من ثمنها سوى 450 هم معاشى بعد إحالتى للتقاعد من المدرسة، بالإضافة إلى 200 جنيه أنفقها شهرياً من المعاش ثمناً لبعض الأدوية غير المدرجة على قوائم التأمين الصحى الخاصة بالكبد والكلى. وأكد «بخيت:» البالغ من العمر 68 عاماً، أن سبب الإصابة كما حملتها الفحوصات الطبية، التى أجراها، هو المياه الملوثة التى يقول إنها تصل إلى المنازل ملوثة وبها رائحة «مجارى»، وأحياناً تكون بيضاء مثل لون اللبن أو كما لو أنها مخلوطة بـ«جير»، وقالت الشهادة الصحية الصادرة من هيئة التأمين الصحى إنه مصاب بالتهاب كبدى فيروسى «سى».

لم تكن حالتا فاطمة شوقى وابنها محمود، بالإضافة إلى حالة بخيت هى الوحيدة فى نجع إبراهيم الصالح، إذ أكد أغلب أبناء المنطقة إصابة العديد من الأهالى بمرض «الأميبا» جراء المياه الملوثة بالصرف الصحى، بالإضافة إلى حساسية الصدر وهى المشاكل التى حملتها شكاوى الأهالى لحى العامرية وشبكة الصرف الصحى، تطالبها بإنجاز المشروع الذى قال الأهالى إنه استمر لمدة سنوات وألقيت المواسير فى الشوارع حتى تلف أغلبها.

من جانبهم، أرسل أولياء أمور مدرسة الشهداء الابتدائى بدورهم شكوى جماعية موقعة من 25 ولى أمر، تطالب المدرسة بإيجاد حل لعدم وجود المواصلات بسبب غرق المنازل فى مياه الصرف، حيث جاء فى الشكوى «نحن أولياء أمور طلاب مدرسة الشهداء بنجع إبراهيم الصالح، التى يوجد فى مدخلها طفح فى المجارى بسبب تكسير الشوارع وتراكم المياه، ولم تتم أعمال مشروع الصرف حتى الآن، بشكل لا يساعدنا على إرسال أولادنا إلى المدارس، حيث يبدأ اليوم الدراسى فى السابعة إلا الربع صباحاً، ما يؤدى إلى ضياع بعض الحصص على أبنائنا.. الرجاء التكرم باتخاذ اللازم»، وهى الشكوى التى أرسلتها المدرسة ممهورة بشعارها، إلى رئيس حى العامرية للانتهاء من المشروع.

وقال حامد على حسين، أحد سكان النجع: «إن تراكم المياه بشكل مستمر أصاب العديد من الأهالى بـ«الأميبا» وحساسية الصدر، بالإضافة إلى وجود حشرات وروائح كريهة تنبعث من المياه باستمرار.

وأضاف: «إن وسائل المواصلات وأتوبيسات النقل العام والمطافى وسيارات الإسعاف، ترفض دخول المنطقة بسبب عدم وجود مدخل يصلح لسير السيارات، ما أدى إلى وفاة زوجته أثناء الوضع، إذ لم تتمكن سيارة الإسعاف من الدخول فوضعت طفلها فى الشارع وفارقت الحياة فى مكانها، بعد أن سقطت فى أحد تجمعات المياه.

أحد الأطباء داخل مستشفى الحميات، طالب عدم نشر اسمه، قال: «إن العدوى تحدث بسبب ابتلاع الحوصلة الآميبية المعدية الناتجة من الأشخاص المصابين والحاملين للعدوى، مشيراً إلى أن العدوى تنتقل مع الغذاء الملوث أو الماء الملوث بالصرف الصحى أو خضروات مغسولة بماء يحمل المرض، بالإضافة إلى الحشرات، خاصة الذباب الذى ينقل المرض.

وأضاف إن المرض يسبب «توتراً» فى البطن وعسراً فى الهضم، مشيراً إلى أن «الأميبا» تأتى فى المرتبة الثانية بعد «الملاريا» من حيث تسببها فى وفاة المريض بها.

وقال يوسف على حسين، أحد السكان: «إن مشكلة الصرف الصحى مستمرة منذ ما يزيد على 6 سنوات بعد ما سماه بـ«الانفجار الأعظم» الذى حدث لشبكة الصرف الصحى وأغرق المنازل، حتى إن بعض السكان هجر البيوت التى حاصرتها مياه الصرف إلى الآن».

وأضاف: إن وسائل المواصلات ترفض الدخول للنجع، بسبب عدم تمهيد الطريق وانتشار المياه فى الشوارع الغارقة منذ سنوات بمياه الصرف، بالإضافة إلى وجود مشكلة فى القمامة لعدم وجود صناديق مخصصة لها، مشيراً إلى أن الأهالى وجهوا شكاوى عديدة إلى الحى وشركة النظافة، إلا أنها «تتعلل» بعدم وجود مداخل فى النجع، وفق قوله.

وتابع: «رائحة المياه الكريهة تتسبب فى ضيق تنفس وانتشار الحشرات والأمراض بين الناس»، مؤكداً أن أغلب السكان مصابون بضيق فى التنفس وفشل كلوى وآميبا بسبب ما أرجعه إلى تناول مياه وصفها بأنها ملوثة ومخلوطة بمياه المجارى منذ سنوات.

وقال جمال حسن عبدالجواد: منذ شهرين توفيت زوجتى بعد انزلاقها على الأرض، بسبب المياه ووقعت أسفل القطار المتجه إلى برج العرب وماتت على الفور، وأضاف: حاولنا الاتصال بالإسعاف، إلا أنها تأخرت ولم تتمكن من الدخول بسبب عدم وجود مدخل آمن لها، حيث تتجمع المياه فى أغلب مداخل النجع، وتوفيت زوجتى أمام عينى منذ شهرين تقريباً.

وتابع: أن هناك مشكلة أخرى هى عدم وجود مستوصف طبى، ما يدفع الأهالى للجوء إلى الصيدليات لتشخيص أمراضهم ومشاكلهم الصحية، مؤكداً أن سيارات رش المبيدات تصيب الأهالى بحساسية فى الصدر، بسبب كثرة انتشار الحشرات فى الشارع.

واستطرد «عبدالجواد»: الخدمات الأساسية منعدمة تماماً ولا نريد سوى مياه شرب نقية ووسائل مواصلات آمنة وكهرباء وشبكة صرف صحى، بدلاً من التى تهالكت.

العديد من الأهالى هددوا بإرسال شكواهم إلى العديد من المنظمات الحقوقية داخل مصر وخارجها، واصفين حياتهم بأنها «غير آدمية»، بالإضافة إلى عدم تمكن أطفالهم من الذهاب إلى المدارس، لعدم وجود سيارات، إلى جانب انعدام الطرق الآمنة وانتشار الكلاب الضالة بالمنطقة.

من جانبه، قال مصدر مسؤول بشركة الصرف الصحى، طلب عدم نشر اسمه: إن الشبكة لا علاقة لها بالنجع وإن دورها يقتصر فقط على تشغيل وصيانة المشروعات، التى يقوم بها جهاز المشروعات، التابع لوزارة الإسكان، على أن تتولى شبكة الصرف عملية توصيله إلى الشبكة العامة وصيانته فيما بعد.

ورجح المصدر أن تكون مواسير الصرف، التى صنعها الأهالى، تعتمد على المواسير الأسمنتية ما أدى، وفق قوله، إلى تسرب كميات من مياه الصرف إلى مياه الشرب بنسبة 80٪، مشيراً إلى أن أقصى ما يمكن أن تقدمه الشبكة للأهالى هو إجراء عمليات كسح للمياه الراكدة حول المنازل، عن طريق اتصال الأهالى بخط 175 الخاص بعمليات الكسح التى قال إن الشبكة تقدمها بمقابل مادى يدفعه طالب الخدمة.

وتابع: الشبكة تقوم بتغطية ما يقرب من 95٪ من المناطق إلا أن نجع إبراهيم الصالح، من المناطق العشوائية غير المدرجة ضمن المناطق التى تغطيها الشبكة.

.